10 سبتمبر 2025

تسجيل

سحر البساطة.. أناقة لا تقاومها الروح!

25 يوليو 2023

لديّ إيمانٌ جليّ أن البساطة الحقة تخفي وراءها عمقا استثنائيا! وأن البساطة لها سحرها الذي لا يُقاوم على الروح، لأنها لغتها وطريقتها وديدنها. ذلك لأن الخفة التي تأتي من البساطة هي خفّة روحية أصلاً. ولعل الكثير يخلط بين البساطة والسطحية، أو بين البساطة والتفاهة، ومع أنني أؤمن أن لكلٍ من هذه الأحوال مقامها ووقتها، وأنه حتى السطحية والتفاهة هما وجهان آخران للعمق والحكمة، إلا أن البساطة هي نوع آخر يُشعرك بالانسيابية والتدفق، وبالصدق والوضوح، وبالتناسق التلقائي بين عناصره دون حاجة للتعقيد، أو ضرورة للتبرير والإثبات، وبأنها سهل ممتنع، له جاذبيته الخاصة لما تحمله من حس التباين بين لغة الروح والمادة، والاتزان بين المظهر والمخبر وبين بساطة السمت وعمق الطوية. لذلك فالأفكار البسيطة، والأسلوب الرشيق، والمظهر الأنيق، والكلمات اللطيفة، خفيفة في مرورها على العقول والوجدان، وتلتقط عمقها الروح بسهولة. لتعي أبعد من القشور، حيث تُدرك ما خلفها من التناسق والانسجام، ولتتصل بسكينة القرار العميق الذي يختبئ خلفها، والاتصال السحيق الفوري الذي يتم بينها وبين الروح!. فالعظيم حقاً هو من كان مع بساطته عميقاً في فكره وشعوره وتحليله، وانتقاء لفظه ومعناه، وفي إظهاره وبيانه بشتى أشكاله تعبيراً وفناً، أسلوباً ومذهباً، طريقةً وديدناً. متجانساً في ألقه وحضوره، ودلالته ومعناه. متناغماً في لطفه وهدوئه. دون ضجيج أو افتعال، تدور به هالة خاصة من الرقي والإباء، وتحاوطه أمارات الأناقة والجمال والانسجام، وتنطق ذرات حروفه بالحكمة والشواهد. لأنه أحال ما يبدو معقداً إلى الواضح البسيط، وبدّل ما يظهر أنه صعب باللطيف اليسير!. لحظة إدراك: البساطة الأصيلة تنبع من روح نورانية متصلة، وقد لا تُثار حولها الأسئلة، ولا ينبهر بها كل عقل اعتاد على البهرجة والزيف، وقد تمر على الكثير مرور الكرام دون انتباه أو اعتبار، لأن بساطتها الهادئة خافتة الصوت وغير مستفزة لكل طالب نزال!. وسلامها الصامت قد لا يحيل الأنظار إليها، لأن الجموع اعتادت على الاستثارة والمنافسة!. وأثرها قد لا يكون محفزاً ولا فورياً. إلا أن الرهان على البساطة العميقة هو رهان التأثير بعيد الأمد، رهان من يزرع البذر ولا ينتظر الحصاد الفوري. البساطة - ببساطة - هي التغيير الملهم الذي تتبعه الأرواح طائعة بعد أن تهدأ العقول وتسكن النفوس!.