13 سبتمبر 2025

تسجيل

القديم مقطع من رواية

25 يوليو 2016

جعفر حماد، أو جعفر القديم، كما كانوا يسمونه، بسبب إصراره على استخدام لهجة أجداده البدوية شبه المنقرضة، في التعاطي مع الحاضر، والد ليز، كان في الواقع رساما، ظل مبتدئا منذ أن عرف التخطيط على الورق الخشن، والأراضي الطينية، واستخدام الألوان، ومحاولات رسم الوجوه، في سن مبكرة وحتى مات وقد قارب السبعين. كان قد بين افتتانه بالرسام الإيطالي: ليوناردو دافنشي منذ أن عرف باسمه، وألم بإنجازه، وصرح بأن لوحته موناليزا، ليست مجرد ابتسامة غامضة، على وجه غامض، ولكنها الحياة المنشودة، لمن أراد حياة خالية من الهواجس. وفي سياق تهيجه هذا، لم يوضح أبدا، كيف تتحول لوحة مرسومة على قماش، لحياة منشودة خالية من الهواجس، لكن الشيء الذي فعله، هو أن سمى أولى بناته: موناليزا، سمى الثانية، موناليزا، والثالثة موناليزا أيضا، ويسأله موظف تسجيل المواليد في كل مرة، يأتي فيها، للتسجيل: ألم تسمى هذا الاسم من قبل أخي الفاضل؟يقول: لافيكمل الموظف عملية التسجيل، من دون أن يلمح شقاوة الكذب في لسانه العريض المشقق، أو يقلب دفتره عامين وأربعة، إلى الوراء، ليجد موناليزا أولى وثانية، قبل هذه الأخيرة التي يقوم بتسجيلها.موناليزات جعفر، كبرن وعانين من ألقاب موجعة، لم يكن الغرض منها، توجيه إساءة، أو استخدام بذاءة من أحد في حقهن، بقدر ما كان الأمر لمجرد التفريق بينهن، ومعرفة أي الموناليزات يخاطبون. كانت أعمارهن متقاربة، وفي خد كل منهن شامة بنية، كانت في الحقيقة ولدت مع الأولى فقط، وسعت الثانية، والثالثة إلى رسمها على خديهن، لمجرد الغيرة والحسد، وقد سمعن أغنية شعبية، تتحدث عن خد عليه شامة، يترنح بسببه الرجال. لقبت واحدة بالحرباء، وأخرى بالبلهاء، بالرغم من أنها لم تظهر بلها قط، وأمسكت الأم بالثالثة، وبمعاونة نساء أخريات، ثقبت أنفها، وزرعت فيه حلقا كبيرا من القصدير، ليس بغرض الزينة، ولكن لتلقب بذات الأنف المثقوب، كان جعفر القديم، غير مهتم بكل هذا، ولم يحس بأي تعاسة أو بؤس، أو وخز من ضمير، وبناته اللطيفات، يتقلبن في الألم، كان كل ما يهمه، أن لا يتغير اسم موناليزا رسميا بأي حال من الأحوال. وقد حكت لي زوجتي ليز التي كانت البلهاء، كل ذلك، وحكت كيف أن قريبا للأسرة كان مسافرا في أوروبا وعاد، قد غير كل شيء، بتحضر شديد، وصوت هادئ، وشفافية فائقة، حين ردد: موناليزا الكبيرة: هي مونا. الوسطى هي: ليز، والصغرى ذات الأنف المثقوب: هي منى. انتهت المعضلة.