14 سبتمبر 2025

تسجيل

بحر الأمنيات

25 يوليو 2014

من مفسدات القلوب : الأماني ، وهو بحر لا ساحل له، يركبه مفاليس العالم، كما قيل: إن المنى رأس أموال المفاليس. وبضاعة ركابه مواعيد الشياطين، وخيالات المحال والبهتان، فلا تزال أمواج الأماني الكاذبة، والخيالات الباطلة، تتلاعب براكبه كما تتلاعب الكلاب بالجيفة، وهي بضاعة كل نفس مهينة خسيسة سفلية، ليست لها همة تنال بها الحقائق الخارجية، بل اعتاضت عنها بالأماني الذهبية، وكل بحسب حاله من متمن للقدرة والسلطان، وللضرب في الأرض والتطواف في البلدان، أو للأموال والأثمان، أو للنسوان والمردان، فيمثل المتمني صورة مطلوبِه في نفسه وقد فاز بوصولها، والتذ بالظفر بها، فبينا هو على هذه الحال إذ استيقظ فإذا يده والحصير. وصاحب الهمة العلية أمانيه حائمة حول العلم والإيمان، والعمل الذي يقربه إلى الله، ويدنيه من جواره. إنه يعيش لدينه ، يتألم له ، يفرح لانتصاره ، لا يكفيه الصمت بل الكلام ، لا يهاب أن يبيع حياته كلها لله في سبيل نصرة دينه وتمكين شريعته ، فأماني هذا إيمان ونور وحكمة، وأماني أولئك خدع وغرور. وقد مدح النبي صلى الله عليه وسلم متمني الخير، وربما جعل أجره في بعض الأشياء كأجر فاعله، كالقائل: «لو أن لي مالا لعملت بعمل فلان الذي يتقي في ماله ربه، ويصل فيه رحمه، ويخرج منه حقه، وقال " هما في الأجر سواء» وتمنى صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع أنه لو كان تمتع وحل ولم يسق الهدي، وكان قد قرن، فأعطاه الله ثواب القِران بفعله، وثواب التمتع الذي تمناه بأمنيته، فجمع له بين الأجرين.