27 أكتوبر 2025
تسجيلمازلنا مع سورة محمد صلى الله عليه وسلم ونقف عند قول الله تعالى (طاعة وقول معروف فإذا عزم الأمر فلو صدقوا الله لكان خيراً لهم {21}) (طاعة وقول معروف) كلام مستأنف أي أمرهم طاعة الخ أو طاعة وقول معروف خير لهم أو حكاية لقولهم ويؤيده قراءة أبي يقولون طاعة وقول معروف أي أمرنا ذلك (فإذا عزم الأمر) أسند العزم وهو الجد إلى الأمر وهو لأصحابه مجازاً كما في قوله تعالى "إن ذلك من عزم الأمور" أي خالفوا وتخلفوا وقيل ناقضوا وقيل كرهوا وقيل هو وقوله تعالى (فلو صدقوا الله) أي فلو صدقوه تعالى فيما قالوا من الكلام المنبئ عن الحرص على الجهاد بالجري على موجبه (لكان) أي الصدق (خيراً لهم) وفيه دلالة على اشتراك الكل فيما حكي عنهم من قوله تعالى "لولا نزلت سورة" قيل فلو صدقوه في الإيمان ووطأت قلوبهم في ذلك ألسنتهم وأياً ما كان فالمراد بهم الذين في قلوبهم مرض وهم المخاطبون بقوله تعالى (فهل عسيتم). قوله (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم {22}) (فهل عسيتم) الخ بطريق الالتفات لتأكيد التوبيخ وتشديد التقريع أي هل يتوقع منكم (إن توليتم) أمور الناس وتأمرتم عليهم (أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم) تناحراً على الملك وتهالكاً على الدنيا فإن من شاهد أحوالكم الدالة على الضعف في الدين والحرص على الدنيا حين أمرتم بالجهاد الذي هو عبارة عن إحراز كل خير وصلاح ودفع كل شر وفساد وأنتم مأمورون شأنكم الطاعة والقول المعروف يتوقع منكم إذا أطلقت أعنتكم وصرتم آمرين ما ذكر من الإفساد وقطع الأرحام وقيل إن أعرضتم عن الإسلام أن ترجعوا إلى ما كنتم عليه في الجاهلية من الإفساد في الأرض بالتغاور والتناهب وقطع الأرحام بمقاتلة بعض الأقارب بعضاً ووأد البنات وفيه أن الواقع في حين الشرط في مثل هذا المقام لابد أن تكون محذوريته باعتبار ما يستتبعه من المفاسد لا باعتبار ذاته ولا ريب في أن الإعراض عن الإسلام رأس كل شر وفساد فحقه أن يجعل عمدة في التوبيخ لا وسيلة للتوبيخ بما دونه من المفاسد وقرئ وليتم أي جعلتم ولاة وقرئ توليتم أي تولاكم ولاة جور خرجتم معهم وساعدتموهم في الإفساد وقطيعة الرحم وقرئ وتقطعوا من التقطيع فانتصاب أرحامكم حينئذ على نزع الجار أي في أرحامكم وقرئ وتقطعوا من القطع وإلحاق الضمير بعسى لغة أهل الحجاز وأما بنو تميم فيقولون عسى أن تفعل وعسى أن تفعلوا. قوله (أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم {23}) (أولئك) إشارة إلى المخاطبين بطريق الالتفات إيذاناً بأن ذكر هناتهم أوجب إسقاطهم عن رتبة الخطاب وحكاية أحوالهم الفظيعة لغيرهم (الذين لعنهم الله) أي أبعدهم من رحمته (فأصمهم) عن استماع الحق لتصامهم عنه بسوء اختيارهم (وأعمى أبصارهم) لتعاميهم عما يشاهدونه من الآيات المنصوبة في الأنفس والآفاق. قوله (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوبٍ أقفالها {24}) (أفلا يتدبرون القرآن) أي ألا يلاحظونه ولا يتفحصونه وما فيه من المواعظ والزواجر حتى لا يقعوا فيما وقعوا فيه من الموبقات (أم على قلوب أقفالها) فلا يكاد يصل إليها ذكر أصلاً وأم منقطعة وما فيها من معنى بل للانتقال من التوبيخ بعدم التدبر إلى التوبيخ بكون قلوبهم مقفلة لا تقبل التدبر والتفكر والهمزة للتقرير وتنكير القلوب إما لتهويل حالها وتفظيع شأنها بإبهام أمرها في القساوة والجهالة كأنه قيل على قلوب منكرة لا يعرف حالها ولا يقدر قدرها في القساوة وإما لأن المراد بها قلوب بعض منهم وهم المنافقون وإضافة الأقفال إليها للدلالة على أنها أقفال مخصوصة بها مناسبة لها غير مجانسة لسائر الأقفال المعهودة وقرئ أقفالها وأقفالها على المصدر.