29 أكتوبر 2025
تسجيلها قد أتى بعد طول غياب، أتى والذنوب على الكاهل ثقيلة، أتى رحمة من الله لتغسل الذنوب وتقر القلوب وتقترب الخطوب وتجتمع القلوب على محبة علام الغيوب، فكيف حال المستقبلين لهذا الشهر العظيم؟ الصنف الأول: هم أغلب هذه الأمة المسلمة وجماهيرها العريضة المؤمنة، من يأنسون به ويفرحون بقدومه، لأنهم: — ما تركوا الصيام ولا ملوا القيام، فالعام عندهم فيض قبس من نور رمضان، تعودوا صيامه حبا وتضرعا إلى الله، وأتموا حبهم بصيام النوافل، إيمانا منهم بما جاء في السنة النبوية من استحباب صيام أيام كثيرة: كصيام الاثنين، والخميس، والأيام البيض، ويوم عرفة لغير الحاج، ويوم عاشوراء مع يوم قبله أو يوم بعده، وصيام شعبان…، وغير ذلك من أنواع الصيام المستحب، الذي شرعه النبي صلى الله عليه وسلم لأمته؛ ليعتادوا الصوم، ويتزودوا من التقوى. وإن نظرة على حال سلف هذه الأمة المبارك تنبئك الخبر اليقين: من ذلك أن قومًا من السلف باعوا جارية لهم لأحد الناس، فلما أقبل رمضان أخذ سيدها الجديد يتهيأ بألوان المطعومات والمشروبات؛ لاستقبال رمضان — كما يصنع كثير من الناس اليوم —، فلما رأت الجارية ذلك منهم، قالت: لماذا تصنعون ذلك؛ قالوا: لاستقبال شهر رمضان. فقالت: وأنتم لا تصومون إلا في رمضان؟! — واللهِ — لقد جئت من عند قوم السنةُ عندهم كأنها كلها رمضان، لا حاجة لي فيكم، ردوني إليهم. ورجعت إلى سيدها الأول. وكان لدى الحسن بن صالح جارية، فاشتراها منه بعضهم، فلما انتصف الليل عند سيدها الجديد، قامت تصيح في الدار: يا قوم، الصلاة.. الصلاة، فقاموا فزعين، وسألوها: هل طلع الفجر؟ فقالت: وأنتم لا تصلون إلا المكتوبة؟! فلما أصبحت رجعت إلى الحسن بن صالح، وقالت له: لقد بعتني إلى قوم سوء؛ لا يصلون إلا الفريضة، ولا يصومون إلا الفريضة؛ فردني، فردّها. إنها حالة امرأة مؤمنة موحدة من سلف هذه الأمة المباركة علمت أن حياتها لا تساوي شيئا إذا ما ابتعدت عن دينها وعن عقيدتها، فجعلت من عامها رمضان تحيا به إيمانا لله وتضرعا. لقد ابتعدت عن اللذات أملا في نيلها في الآخرة، لان امتناع الصائم عن الأكل، والشرب، والجماع، وسائر المفطّرات في نهار رمضان طاعةً لله — سبحانه وتعالى _ يكون سببًا في حصوله على ألوان الملذات الخالدة في الجنة، فَلِقُوَّة يقين المتقين بذلك؛ يفرحون بقدوم هذا الشهر الكريم. اللهم اجعلنا من هذا الصنف المؤمن التقي النقي، اللهم بارك لنا في شعبان وبلغنا رمضان.