10 سبتمبر 2025
تسجيلفي ظل تواثب التحالفات الإقليمية، مفهومٌ تماماً أن تقعد غالب الهمم عن التعامل السوي المأمول مع السودان خلال تفاقم الأوضاع الاقتصادية مؤخراً، ربما بغية إفشاء إحباطٍ عام يقعد بتطلعات السودانيين ويبعث برسالة مفادها أن لا جديد سيضيفه رفع العقوبات الأميركية، أو ربما الإيحاء بأن الحلول تقتضي وابلاً ثجَّاجاً من التباريك. والأزمة الإقتصادية ليست وليدة اللحظة، بل إنها تراكمٌ تصدقه الحقائق. ويحدثنا التأريخ عن خزينة ورثها الحكم خاويةً سوى من دفاتر قروضٍ تراكمت منذ استقلال البلاد، يحدثنا عن حرب نصف قرنٍ ظلت تقتات على كل موارد البلاد، يحدثنا أنهم سعَّروا حرباً بديلةً في دارفور قبل أن تمهر اتفاقية سلام الجنوب، عن حصارٍ أميركي استمر لعقدين تماهت معه مواقف الأشياع .. يحدثنا عن وفاء السودان بالمواثيق، وهو يتخلى للجنوب عما يقارب نصف مليون برميل من النفط أفنى السودان لاستخراجه الجهد والمال ومثابرة الرجال. يحدث الواقع عن إنفاذ مشاريع بنيةٍ تحتيةٍ عندما أدرك الحكم الماثل منذ تسنمه أن استغلال موارد البلاد تنقفصه البنى التحتية وعمادها الكهرباء والاتصالات والمواصلات .. وتنظر لتشهد أن الطرق تمطت آلاف الأميال لتصل السهوب بعضها ببعض، وأن الجسور قد تضاعفت عدة أضعافٍ لكل ما خلفته الحكومات السابقة شاملةً حقبة الاستعمار، وبما يقارب المائة عام. شمخ سد مروي ولحقت به تعلية خزان الرصيرص التي ظلت مجرد حجر أساسِ منذ ما يقارب نصف قرن .. والكهرباء التي كانت محض ترفٍ للنخبة الحضرية ناثرت خطوطها في أرياف البلاد لتسهم في الرقي بطابع الحياة، وتحيل ما كان بالأمس بطراً كمالياً إلى ضروراتٍ مجتمعيةٍ. وثَمَّ البنى التحتية للنفط وقد تمدد أنبوبه من هجليج وحتى بشائر على البحر الأحمر بطول 1610 كيلومتر، وبتكلفة تجاوزت المليار دولار. ونشأت مصفاة الخرطوم بطاقةٍ إنتاجيةٍ بلغت 90 ألف برميل يومياً. أما الإتصالات فيكفي أن واقعها في السودان يصنفها على أنها من أفضل ما تناهت إليه العوالم. صحيح أن بعض مدارس الإقتصاد تصنف الظاهرة على أنها (التنمية القاسية) كونها تحمل الجيل الماثل التضحيات من أجل الأجيالٍ القادمة، بيد أن الواقع الماثل رغم قسوته يقرر أن مبررات الانطلاق قد تكاملت لتفيض خيرها وشيكاً بمعزلٍ عن عهود الاقتراض والمنح والمنع وإدارة الظهر. وفيما تواضعت منظومة إيقاد على تكليف الرئيس البشير برعاية سلام الجنوب. ولأن مفهوم السلام الأشمل يقتضي تدابير اقتصادية تهدف لرفاه المجتمع، فقد تزامنت خطى سلام الجنوب مع عزم الطرفين إنعاش النفط ومن المؤمل أن يشرع الطرفان في العملية فوراً ما يمثل اختراقاً لأزمة الوقود ولرفد احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي. وإذا كانت الذاكرة العربية المهترئة قد أسقطت دوره في أزمات أمته، نذكر الصامتين والشامتين بأن الإمام المهدي قد أمر بإلقاء القبض على غردون حياً ليقايض به الزعيم أحمد عرابي .. السودان هو من استضافت مطاراته طيران مصر عشية النكسة، وهو من تخلى عن أرضٍ عزيزةٍ لبناء السد العالي ضماناً لأمن مصر المائي، والخرطوم آست عبد الناصر عند زيارته عقب النكسة ومسحت تغضن الانكسار. وهي قمة الخرطوم من صالحت بين الفيصل وعبدالناصر ووضعت حداً لحرب اليمن، وهي من أيقظت الأمل عقب إحباطات حرب حزيران .. رغم ذلك ظل السودان يواجه أزماته بمفرده فيما عدا نموذج الدوحة الوضيء وهي تقف إلى جانب شقيقها تتصدى بالمسئولية والمثابرة وحسن النوايا لإحلال السلام في دارفور، وترعى تنمية الإقليم لتجاوز آثار الحرب .. وهو من أعطى أزل تأريخه دون منٍّ ولا أذى، فيما تبادل أمته الإقدام الرشيد بالتخلي القعدد، يقف السودان: مهيباً كنصل السيفِ لو ضربت به ذرى أجأٍ ظلت وأعلامها وُهدُ يقف السودان يردد في أنفة المترف بكرامته وبالفأل الحسن: يا عمرو لو لنت لي لوجدتني يسراً سمحاً كريماً أجازي من يجازيني والله لو كرهت كفي مصاحبتي لقلت - إذ كرهت قربي - لها: بيني