29 أكتوبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); ظن أن الدعاة إلى الله قد فرغوا – ببركة الجهود الموصولة- من بيان أن الإسلام منهج حياة شامل ينتظم كل مظاهر الحياة، ويواكب سيرها وأسباب تطورها. وقد استطاع الفكر الإسلامي المعاصر أن يكسب الجولة في معركته مع العلمانية، وأن يهزم الفلسفة التي استندت عليها في صراعها الطويل مع هذا الدين حتى لم يعد لها في قلوب الناس ومشاعرهم بريق يذكر!وانتصار الفكر الإسلامي في معركته مع العلمانية (في العالم الإسلامي) لا يعني نهاية المطاف، بل هو بداية لمعركة أطول، هي معركة العمل لتحقيق مطالب الناس في الواقع، فعالم اليوم له مطالب مشروعة يتطلع لها فهو يتطلع لحياة تسود فيها قيم الحرية والعدل والمساواة، ويتطلع عالم اليوم للتقدم الحضاري والرقي المدني، كما أنه يتطلع أيضا لحياة آمنة تنقذه من شقوته وما يعانيه من قلق ويأس واضطراب. ونحن المسلمين نستطيع أن نجيب عن كل هذه المطالب بكلمة واحدة وهي (الإسلام)، لأننا موقنون أن الإسلام -بعقيدته وشريعته وعوامل سعته ومرونته- قادر أن يحقق كل مطلب مشروع للإنسان في هذه الحياة، وما جاء الإسلام إلا لإسعاد البشرية.ولكن القضية ليست بهذه البساطة التي نطرحها بها، وقد لاحظ النقاد أن خطبنا ومقالاتنا وكتاباتنا الإسلامية التي حاولت أن تجيب عن الأسئلة المطروحة حول أسباب انحطاط المسلمين، وتراجع دورهم، وتضعضع حضارتهم، تبسط القضية تبسيطا مخلا، فقد اتفقت كلها على أصل الداء وهو البعد عن الإسلام، كما اتفقت كلها على الدواء الحاسم وهو العودة إلى هذا الدين بجماله وكماله وفهمه الصحيح، ولكن هل أجدانا هذا الاتفاق شيئا؟ ولماذا لم يتحقق المشروع الإسلامي الذينبشر به بعد أن أدركنا سبب العلة وسر النهوض؟ إن الذي نحتاجه حتى يتحقق هذا المشروع هو أن ينتقل الجهد الدعوى من دائرة التنظير إلى دائرة التجريب، ومن التقرير إلى التطبيق بحسب القدرة والإمكان، ولا يكن حالنا بمنزلة من يدعو المريض ليصح، دون أن يقدم له الدواء.إن المسارعة لتقديم النماذج العملية لمطالب البشرية اليوم - وأمتنا جزء منها- هو الجهد الذي يجب أن تنصرف له همة الدعاة، فالناس مجبولون على التعلق بما يرونه ماثلاً في حياتهم، مجسدا في واقعهم، وقلَّ أن يتمسكوا بشيء غير معهود، أو يتأثروا بموعظة مجردة عن التطبيق، فالأفكار وحدها لا تصنع الحياة، ولا تنهض بالإنسان، وهذا هو السر في أن الله تعالى أنزل الكتاب، وأرسل الرسول الذي يتحرك بهذا الكتاب، ويمشي به في الناس، ليجرد من نفسه أسوة حسنة؛ يتحقق بها الإصلاح، وقد قرن نبي الله شعيب عليه الصلاة والسلام بين القدوة الحسنة - التي تتبع القول بالعمل- وبين الإصلاح الذي يدعو إليه؛ فقاللقومه:(وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما ، استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب) سورة هود 88 ولذلك كانت الرسل ترد على الذين يتشبثون بتقاليد الآباء بأنهم يملكون بديلا أفضل مما عندهم من دين باطل، ومعتقد فاسد (قال أوَ لو جئتكم . بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم)الزخرف 24 فالشاهد أن تراخي الدعاة أو عجزهم عن تقديم بدائل تحقق مطالب الناس سيكون له أثر واضح في فشل الفكرة التي يدعون الناس إليها،ومن أكبر الأخطاء التي صحبت بعض حركات التصحيح الإسلامي أنها لم تولي هذا الأمر حقه من الاهتمام، واكتفت بنقد الواقع الفاسد دون طرح عملي لما يريدون له أن يكون شاخصا في حياة الناس من معان وقيم، وإن كنا لا ننكر أن أعمالا دعوية كثيرة قد بدأت تتجه هذه الوجهة بيد أن المشوار أمامها طويل ولكنه على أي حال أجدى للأمة من الشعارات الفضفاضة والتغني بالأمجاد الآفلة.