14 سبتمبر 2025

تسجيل

الرهانات الخاسرة

16 يوليو 2015

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); ظلت النخب الفكرية والسياسية -في عالم العروبة والإسلام-تراهن منذ عقود متطاولة على أفكار ومبادئ ونظريات، تُعلَّق عليها الآمال وتبذل لها الوعود، حتى ترسخت القناعة بأنّ تلك المبادئ من اشتراكية وقومية وثورية وغير ذلك مما هتفت له الجماهير، هي السبيل المفضي بالأمة إلى الخروج من حالة التخلف إلى التنمية ومن التراجع إلى النّهضة ومن الهيمنة الاستعمارية إلى التحرر الوطني. وما هي إلا سنوات معدودات حتى كشفت الأحداث والأيام أنّ تلك الشعارات المرفوعة والحلول المستوردة ما هي إلا رهانات خاسرة. وبتصدع الاتحاد السوفييتي ونهاية الاشتراكية سطع نجم الديمقراطية مزهوا ببريقه الأخّاذ بعد أن توارت عن المشهد كواكب وشموس خلت الديار فسُدتُ غير مسوَّد ** ومن البلاءِ تفردي بالسُؤدَد خلت الديار وسقطت النظريات وغدت الديمقراطية عند كثير من المروجين لها والمتحمسين لنشرها هي الغاية التي ليس وراءها مطمح، ولا تزال كتابات المبجلين للديمقراطية في عالم العروبة تخترع لها من محاسن الأوصاف ما يجعلها في مرتبة المقدس الذي لا يجوز أن ينتهك أو يمس. والعجيب أن الديمقراطية التي تَهش لها القلوب ويراهن كثير من المثقفين على أنها مخرج محقق للاستقرار السياسي والتنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية مشروعٌ مبهم في مدلوله ومعناه، لأننا وبمجموع التجارب التي خضناها -فضلا عن النقد النظري-نعلم أن الديمقراطية كلمة يمكن أن تفسّر اليوم على أي نحو تريد، فهي عند وكلائها من العلمانيين لا تعني حق الشعب في اختيار من يمثله ويرتضيه فهذه «ديمقراطية الشكل لا المضمون» أو هي « وهَم الديمقراطية لا حقيقتها». فحقيقة الديمقراطية -عندهم-لها مدلول واحد هو انتصار قيم الحداثة الغربية على أي مشروع آخر يطرح نفسه بديلا، وعليه فالكائن المتولد عن الديمقراطية يجب أن يكون مخلوقا لا يمت للأمة المسلمة ولا إلى تاريخها وتراثها بصلة، وقد تساءل كاتب علماني مذهولا من نتائج الانتخابات والاستفتاءات في تونس ومصر بعد ثورات الربيع العربي «كيف تتحقق الديمقراطية -فهماً وتطبيقاً -في مجتمع ما زال المُكوِّن الأساسي للوعي فيه ينتمي إلى زمن تقليدي عتيق، إلى ثقافة تقليدية بامتياز ؟!. كيف تتحقق الديمقراطية بلا ديمقراطيين؟ بل كيف تتحقق الديمقراطية بواسطة ثقافة مضادة -وليست محايدة فحسب-، بل ومناقضة للأسس التي ينبني عليها التصور الديمقراطي؟». ومن هنا فإنّ مشكلة الديمقراطية في عالمنا الإسلامي والعربي ليست في أدواتها وآلياتها فهذه وسائل يمكن التعامل معها بلا حرج، وإنّما مشكلتها في خضوعها لمرجعيات ومصالح خارجية تُقبل نتائج الديمقراطية على أساسها أو ترفض، فشروط الديمقراطية اليوم ليست صناديق انتخابات لها الحق في التقديم والتأخير وإنما شروطها التي يجب الوفاء بها إن أردنا لمجتمعاتنا أن تحكم حكما ديمقراطيا حراً! تتمثل في التشبع بقيم الحضارة الغربية ومفاهيمها حتى نكون مؤهلين لممارسة حقنا في الاختيار بعيدا عن المشاعر الدينية والتراث الماضوي !، وحينما تصل جماهير الأمة إلى هذه المرحلة الفاصلة يمكن للعملية الديمقراطية أن تنجح، لأن الناخبين وقتها سيذهبون إلى صناديق الاقتراع بأفكار ديمقراطية غربية، وبسلوك (ليبرالي) متفتح. فالديمقراطية التي لا تنتهي بنا إلى غاية تضمن للرجل الأوربي تحقيق مصالحه وتكريس التبعية له لا مكان لها في عالم اليوم، وقد آن الأوان لأمتنا وهي تمر بهذه المنعطفات الحادة أن تصارح نفسها بجملة من الحقائق بعيداً عن الوهم الذي ضللها عقودا من الزمان. وأولى هذه الحقائق أنَّ التدخلات الأجنبية التي تنشب أظفارها في جسدنا المثخن بالجراح، تتخذ من الديمقراطية وملفات حقوق الإنسان وحماية الأقليات وحماية الأسرة والطفل وتمكين المرأة وسائر الملفات الأخرى التي تغزو العالم كلّه عبر مشاريع الأمم المتحدة وبرامجها واتفاقياتها الدولية، تتخذ منها ذرائع لإحكام هيمنتها وبسط سلطانها وتأمين مصالحها، منتهزة ما توفره أوضاعنا الداخلية من مبررات وفرص توظفها الإمبريالية الجديدة خير توظيف. ومن هنا فإن المَخرج الذي يجب أن تتداعى إليه الأمة -ولو بتدرج مرحلي- هوالبحث عن خيارٍ ثالث صحيح الانتماء صريح الوجهة يدرأ عن الأمة آفات التيه والتقليد ويمنحها الحقَّ الكامل في أن تختار لنفسها من النُّظم والأفكار والمشاريع الجادة ما يحقق لها مصالحها وينسجم في الوقت ذاته مع دينها وهويتها وتراثها العظيم.