15 سبتمبر 2025
تسجيلالباقي من الزمن حتى 30 يونيو 2013 لا يقاس بالأيام والساعات بل يحمل كل حدث في لحظة عبئا لسنين قادمة، ويوجب حساب الزمن باللحظات، ومن ينجح في اعتبار دقة قيمة الزمن ينجح في الاستفادة منه لإنجاز ما يهدف إليه. واحترام دقة الزمن بفرض الاقتصاد في الكلام، فلم يعد هناك لدى المصريين من قدرة على تحمل الكلمات أو التصريحات أو الأحاديث، فقد بلغ الأمر أن يحكم مصر متهم بالخيانة العظمى حسب حكم محكمة وادي النطرون، وهو في الوقت ذاته مقامر بأمنها القومي، وداعية للاقتتال المذهبي، وهذه اللحظات تحمل شعار "لا تقل لي ولكن دعني أرى"، ولعله موجه لكل من يعلن أنه يقف ضد حكم الإخوان في مصر، فالشعب يرى ويعيش ما لم يتوقع من هزل سياسي وإفك، ويرى بعينيه القتل والتجبر، وتناقض المظهر الديني مع دعوات التكفير والتحريض والوعيد حتى صار القابض على دينه كالقابض على الجمر. هذه اللحظة المصيرية في تاريخ مصر لا تتحمل ترف الجدل فيما تتوهم بعض الرؤوس، ولا تتحمل تعبيرات حمالة للأوجه، يفسرها من شاء كيفما شاء ودون قدرة على توفير أسباب مشيئته هذه، وجل غايته ذاته. ما يحدث في مصر يتجاوز تأثيره حدودها، وما يجري في مصر ليس وليد قواها الداخلية وحدها. وقائع الاقتتال وانهيار القدرة على إدارة الدولة ومظاهرات التهديد والوعيد تحت عنوان "نبذ العنف"، والمعلومات التي تتردد عن حشد لعناصر جرى تدريبها من الجماعات والإخوان، ومشهد القتل المذهبي الذي جرى يوم الأحد 23 يونيو بقرية أبو مسلم بالجيزة لأربعة أشخاص وحرق منزل وسحل الجثث بالشارع، تحت عنوان أنهم شيعة، مؤشرا لما ينتظر مصر خلال الأيام القادمة، إنهم يخوضون معركتهم الأخيرة، ولن يردعهم عما أعلنوه أي شيء. خريطة الصراع داخل مصر تضع أمامنا الشعب في جانب، والجميع بلا استثناء في جانب آخر، بل إن محاولات الإرهاب بالعنف يتوازى معها سؤال عن البديل، ويرافق ذلك اتهامات بأن من يخرج ضد الإخوان هو متآمر ومن بقايا النظام السابق وهو ثالثا كافر، وأيضا تطل مراهقات صبيانية تجد نفسها وبعجزها ودون أن تمتلك رؤية تطرحها تتهم كل من يقول بأن للجيش دورا بكفر من نوع آخر، الكفر بالديمقراطية. المؤكد أن اللاعبين الأساسيين ويملكان القوة، هما الجيش والإخوان، وأن أمريكا وكل المصالح الخارجية تبحث العلاقة بعدا أو اقترابا منهما حسب مدى إمكانية تحقيق هذه المصالح والتي ليست بالطبع مصالح مصر. ومن المؤكد أيضاً أن الشعب الذي دخل معادلة الصراع في يناير، هو مصدر الخطر على الجميع، فحضوره وإبداعاته في الحركة، مازالت قادرة على المقاومة، رغم غياب قيادة له تملك رؤية ويقين وقدرة ويقتنع بها الشعب، ولكن اللحظة ليست مجرد لحظة مقاومة، اللحظة في مصر لحظة ضرورة التغيير، واسترداد مقدرات الوطن من جماعة خارجة عن الدين والوطن، ترى أنها امتلكت الدين، فتكفر من عداها، وأنها استولت على السلطة، فتعرض الوطن للبيع، وترهنه لغير الشعب، وترفع السلاح في وجه الشعب، وحولت الوطن إلى بيئة حاضنة للإرهاب، وقاعدة لانطلاق عمليات الإرهاب وبالأساس في مواجهة الداخل لصالح الاحتفاظ بالسلطة. تحقق الانقلاب المبكر على الثورة قبل استفتاء 19 مارس 2011، عندما نجحت أمريكا في عقد تحالف بين الإخوان والمجلس العسكري، تحالف فتح الباب على مصراعيه للإخوان للسيطرة والاستقطاب وإطلاق آلة التكفير على المجتمع، وفتح الباب لوجود كافة الجماعات الدينية، وكان الشباب في الشارع يتلقى الرصاص وهو يخوض معارك ضمنت تنفيذ جدول الأعمال الأمريكي الإخواني، ولا نلومهم على ما فعلوا، ولكن يبقى التحذير من استمراء ذات الحالة في اللحظة الراهنة. اللحظة الراهنة صراع على الوطن، وليس صراعا على نوعية نظام الحكم ووضع المؤسسة العسكرية فيه وعلاقتها بالدولة. الصراع على الوطن لا معنى له إن لم يستطع أن يحسم قبل أن يبدأ، ولن يتوفر له ذلك دون إعادة ترتيب للقوى الداخلية. حسم الصراع يعني إدراك حقيقة أنه صراع وجود لوطن، وعندما يجري تأمين الوجود وتخليص الهوية مما علق بها من تشوهات، يصبح إعداد البديل واجبا قوميا لكل القوى الحقيقية داخل الوطن والأمينة عليه. البديل ليس أسماء، حيث إن المراجعة المجردة أثبتت أن هذه الأسماء ذاتها كانت ضمن "جوقة" المسرح لمسرحية ديمقراطية أمريكا بعد الثورة. البديل هو ذلك الميثاق الوطني الذي يبدأ بمناقشة قضايا الدستور جميعها، والنظام الاقتصادي، وأهداف مصر الثورة وفلسفة الحكم فيها، ومعنى العدالة الاجتماعية، والأمن القومي المصري وعلاقاته وأسسه ومتطلباته ونطاقه ومعايير تقييمه السياسي. والبديل هو حالة الانتماء التي تتزايد وطنيا مع تعرية أداء سلطة الإخوان، فإدراك حقيقة نطاقات الأمن القومي المصري تتجلى سواء في ردود الأفعال على حركة النظام تجاه مياه النيل أو تجاه الصراع على سوريا أو بموقفه من القضية الفلسطينية، ومن التراب الوطني في سيناء أو حلايب وشلاتين، ومدى خطورة جماعات الإرهاب تحت مسميات إسلامية، ومعنى التاريخ لمصر، ومعنى وقيمة قناة السويس. والبديل أيضاً تجسد في مدى الحاجة إلى تكامل عناصر تكوين الدولة، ومعنى الأزهر والكنيسة، ومعنى القضاء ودوره، ومعنى انتماء الشرطة للشعب، ومعنى وطنية الجيش، الذي ليس بالضرورة هو جيش يستدعي للانقلاب السياسي كما يحلوا للبعض أن يزايدوا، ولكنه جيش بالأساس ضرورة للأمن وللدولة، وإن إعداده وبناءه مسؤولية وطنية، وإن تخليصه من كل وسائل الضغط أو السيطرة واجب لتمكينه من دوره. والبديل استوعب الآن ومن تجربة الثلاثين شهرا الماضية، معنى عدم وجود أحزاب دينية، وأعاد اكتشاف حقيقة جماعة الإخوان كجماعة سرية، لا ترتبط وقضايا الوطن، بل إن حبل المشيمة المغذي لها خارج مصر. ميلاد البديل لن يأتي بنضال الفضائيات ولا بمجرد الاعتصام والتظاهرات. البديل مجتمع يجد فرصة الحوار الآمن داخله لمناقشة قضاياه، ويناقشها، ويحدد رؤيته، ومهامها، وإمكاناتها. كيف يمكن أن نسترد وطننا، ونتيح للمجتمع فرصة إقرار البديل؟ هذا السؤال هو محور تقدير الموقف، وهو يفرض إعادة تقييم القوى داخل المجتمع خاصة أن القوى الاجتماعية الأساسية بالمجتمع في حالة من السيولة، والزمن اللازم لتماسكها حتى تصبح فاعلة في معادلة التغيير وإنتاج قياداتها الطبيعية، لا يتحمله الوطن وهو ينزلق إلى الفتنة الكبرى. وتقدير الموقف يفرض الانتباه إلى تحركات السفيرة الأمريكية بالقاهرة، وماذا تحمل في جعبتها، ولماذا يحضر كيري "الأب الروحي الجديد لجماعة الإخوان" إلى القاهرة؟ وماذا لديهم؟ هل يسعون إلى تفريغ مسبق لحالة الرفض الشعبي والاحتشاد تسبق 30 يونيو وتفرغه من مضمونه؟ وهل يمكن وضع تصريح وزير الدفاع المصري بوجوب أن تجد القوى المتصارعة حلا خلال هذا الأسبوع في إطار دعم الحل الأميركي!!؟ أم إنه يعلن لأمريكا أنها الفرصة الأخيرة؟ إن تصريح وزير الدفاع المصري من تلك الأحاديث حمالة الأوجه، يستدعي كل الأطراف للتوافق؟ وكيف يمكن أن يكون هناك توافق والوطن يتفكك وينهار؟ فهل انهيار الوطن سببه اختلاف من هم على الساحة السياسية؟ أم أن الوطن ينهار لأن قدرات السلطة القائمة وأداءها أدنى من حاجة الوطن؟ ولعل استدراكه بأن عملية إعادة تأهيل القوات المسلحة قد تمت على خير وجه، يتضمن أنها جاهزة لتولي مسؤولية مباشرة في الصراع السياسي. يتردد في مصر طيلة الأشهر الماضية منذ واقعة الاتحادية في 5 ديسمبر 2012 أن الجيش لن يتدخل إلا في حالة الاقتتال الداخلي وأن تكون الشوارع حمامات من الدماء!!، وهي مقولة تطالب أن يدفع الوطن بأبنائه ثمنا فادحا، بينما أن ما يمكن تسميته بالمعلومات وهناك ما يمكن تسميته بالشواهد والتصرفات، وهو ما يتيح لأي قيادة تتحمل المسؤولية إمكانية تقدير الموقف قبل حدوث الانفجار، وهم يدركون عندما تسيل الدماء ستكون دماء من؟ إن الوصول إلى يوم 30 يونيو دون حدوث التغيير سيكون مؤشرا إلى حالة من الاحتراب قد تؤدي إلى مواجهة تدخل خارجي. فهل يسترد الشعب جيشه؟ وهل الجيش يرى ما يراه الضمير الشعبي؟ أسئلة لا تريد مثقفين أو ساسة، ولكن الإجابة عليها هي أفعال، إن تأخر منها شيء، تحققت نذر الدم الموعودة لمصر من كافة عناصر الإخوان وموالاتهم.