11 سبتمبر 2025

تسجيل

يا تاريخُ سَجِّل: أنا فلسطيني

25 مايو 2021

من المعجزات أن فلسطين اتسعت لمئات ملايين الأرواح والقلوب التي احتضنت ذرات ترابها، وكرام الأمة من أبنائها طوال معركة المجد والعزة، التي خاضها كرام الأمة في غزة والقدس والخليل وكل فلسطين، ثم تدفقت تلك الأرواح والقلوب مع مئات آلاف الفلسطينيين الذين احتفلوا بالنصر حول الأقصى وكل المدن والبلدات والقرى في الديار التي باركها الله، وتكفَّل بأهلها، وظللتها ملائكة الرحمة بأجنحتها. اثنان وسبعون عاماً على النكبة، وشعوبنا تنام على ألمٍ وحسرةٍ لتصحو على مواجعَ ويأسٍ، وكلما تنفست أملاً، تعلو أصوات الخاذلين المتخاذلين، وتتكاثر طعنات الغدر في الظهور، فتنشغل الشعوب بدماء وأشلاء أبنائها. لكن كرام الأمة في غزة لم يرضوا بمرور العيد حزيناً، فأهدونا نصراً عظيماً أشرقَ كالشمس في سماء أمتينا العربية والإسلامية، فكانت أنواره نسمات فرح ملأ الدنيا، ونيراناً أحرقت أوهام المارين بفلسطين وأمتنا كالكابوس. في فلسطين، خلال أيام المعركة المجيدة، شاهدنا مثالاً حياً لغزوة بدر؛ فالمؤمنون قلةٌ والعدو كثير العدد، مُدجَّجٌ بالأسلحة، ويُسانده المُرْجفون الذين يتمنون لو سحق الفئة القليلة التي يكشف طُهْرُها نفوسَهم المُدَنَّسة ببُغض المؤمنين، لكن المعادلة على أرض الواقع لم تكن بهذه البساطة؛ فهناك إيمانٌ بالله وإرادةٌ وكرامةٌ وفداءٌ يتسلح المقاومون بها، بينما المعتدي لا يقاتل إلا من وراء الجدران، وعندما يفتك الرعب بقلبه، يندفع ليلوذ بنفس الجدران خوفاً من الموت، الذي كان مطلباً للمقاومين لأنه شهادةٌ وحياةٌ أبديةٌ في جنان الخُلد. اللافتُ للنظر، أن تلك الحرب جمعت الشعوب كلها على نُصرةِ فلسطين لأول مرةٍ بهذه الصورة الرائعة، فقد اعتادت الشعوب على البكاء مع الثكالى والأيامى واليتامى في كل عدوان سابق، لكنها هذه المرة شاهدت أطياف وجوه صلاح الدين وعز الدين القسام وأحمد ياسين في سماء فلسطين، وبدت خلفها وجوه عبدالكريم الخطابي وعمر المختار وعبدالقادر الجزائري ويوسف العظمة وكوكبةٌ من رجالات أمتنا العظام، كان المشهد جليلاً، فالسماء والأرض مع المقاومين، والشعوب تدعو لهم بالنصر، وتنتظر أن يكون نصرهم بدايةً لحياةِ الأمة ونهضتها، فما الذي اختلف في تلك المعركة عن سابقاتها؟. في السابق، كان الرد على العدوان محصوراً في الدفاع عن غزة، لكنه في معركة المجد والنصر الأخيرة، كان رداً على عدوان على مقدسات الأمة في القدس، فجاء إطلاق الصواريخ من غزة مفاجئاً، وأصبح المشهد مختلفاً؛ فقد أصبحت المقاومة صاحبة اليد العليا؛ تحدد ساعات التجول للصهاينة، وتدفعهم إلى الملاجئ في معظم الأوقات، مما جعل كثيرين منهم يتحدثون عن (عودتهم لبلدانهم الأصلية)، وجعل شعوب العالم تقف مع الحق الفلسطيني، وتتحدث عن الكيان الصهيوني كدولة مُصطَنَعَةٍ تمارس الجريمة الإنسانية بلا رادع أخلاقي. لقد حطمت غزة خرافة الجيش الصهيوني الذي لا يُقهر، وفضحت معظم الجيوش العربية التي لم تُقدِّم لشعوبها سوى الهزائم والاستبداد والتخلف الحضاري، وكشفت الوجه الحقيقي للعلمانيين العرب الذين لا قضية عندهم إلا معاداة الإسلام وشرذمة المسلمين، بينما ينعمون هم بفتاتِ موائد الديكتاتورية التي لا يستطيعون الحياة إلا في ظلالها. وبالطبع، لم يكن مستغرباً أن ترتفع أصوات الحفنة القليلة من المتصهينين في وسائل التواصل الاجتماعي، والذين أخذوا يدعون الله بأن ينصر الصهاينة على العرب المسلمين في غزة الكرامة، فقد أُصيب المتصهينون إصاباتٍ مميتةٍ في أوهامهم بأن الشعب الفلسطيني البطل قد استكان للاحتلال، وأن الأمة نسيت فلسطين والأقصى، لكن هَبَّة المقدسيين ثم فزعة غزة لهم، فشموخ الأمة نُصرةً لهم وفرحاً بهم، كلُّ ذلك جعل الحلم المتصهين يذوي ويتلاشى. إن فلسطين ليست أرضاً كسواها، وإنما هي جزءٌ أصيلٌ من عقيدة الأمة ووجودها وحضارتها، ولا يمكن لعاقلٍ أن يظن أن فرح الأمة بالنصر لا يعكس الروح الحقيقية لها؛ روح الإرادة والوحدة والكرامة التي انبعثت عندما شمخ المارد الفلسطيني بقامته، وأثبت الكرام الفلسطينيون في غزة وكل فلسطين أنهم خيرُ أجنادِ الأرض، لأن الخَيرية تعني الانتصار للعقيدة، والفداء للأمة، والتضحية بالأرواح في سبيل تحرير وتطهير الأرض من الغاصبين. اليوم، تُسمع من الأقصى تكبيرات النصر والكرامة التي تخبر الدنيا بأن صحوة الأمة وانبعاث كرامتها وإرادتها هما قَدَرٌ محتومٌ، وأنْه لا أحد يستطيع أن يقف في وجه تحقيق الوعد الإلهي بالنصر والتمكين. كاتِـبٌ وَإِعْـلاميٌّ قَـطَـرِيٌّ [email protected]