11 سبتمبر 2025

تسجيل

الإنسانية بين الذكاء الاصطناعي والفطري (16)

25 مايو 2021

هذه الإشارات من الحق سبحانه وتعالى بكلمة هلاك أو كلمة أهلكنا تراها واضحة جلية مقترنة بالدورة البشرية، ذلك أن دورة قرن في حياة المجتمعات البشرية تعني في طياتها كل معاني الحضارة والقوة والشدة أو معاني البناء والتشييد والرخاء وهذا ما أشارت إليه آيات أخرى مثل قوله تعالى "أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ" الآية 6 سورة الأنعام، حيث ترى جملة مكناهم في الأرض والتمكين في الأرض يعني كل معاني الحضارة والرخاء والبناء والتقدم والازدهار في ذلك القرن، وعندما نتأمل في الآية الأخرى من قوله تعالى "وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا" الآية 74 سورة مريم، حيث ترى جملة هم أحسن أثاثا وَرِئْيًا وهي تعبير آخر عن الرفاهية والرخاء والترف في نمطية الملابس والمساكن والأثاث المصاحب لها وما يرافقه هذا من التلذذ في الشهوات والمتع وغيرها. وفي آية أخرى أيضاً تأمل قوله تعالى "وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشًا" الآية 36 سورة ق، وحيث ترى جملة هم أشد منهم بطشاً، وهي تعبير عن مدى البطش والقوة الضاربة والغطرسة للمجتمعات البشرية في ذلك القرن، الذي كانت فيه هذه المجتمعات التي تتخذ من ترسانتها العسكرية المدججة بأنواع السلاح التي وصلت إليها بإبداعاتها لتقهر الشعوب الأخرى أو تقهر أعداءها لتفرض عليها السيطرة وتخضعها لقوانينها وسلطانها. ولعل هذا يجرنا إلى قصة قارون في القرآن الكريم، التي ذكرها الله سبحانه وتعالى، وأشار إليها في هذا المعنى بقوله سبحانه "أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا" الآية 78 سورة القصص، إشارة إلى ذلك الغنى الفاحش والثراء المترف الذي وهبه الله سبحانه وتعالى لقارون في عصره وقرنه الذي عاش فيه، والذي كانت مفاتيح هذا الثراء لتنوء بالعصبة أولى القوة كما قال تعالى ووضحه بقوله "إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ ۖ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ" الآية 76 سورة القصص إشارة إلى هذه الكنوز من الأموال والذهب والفضة، والتي غالباً ما تعرفها القرون السابقة والتي كانت المصدر الوحيد لعلامات الثراء والغنى الفاحش، حيث تتراكم وتتكاثر حتى لا يمكن حملها ونقلها بسبب كثرتها وثقلها داخل الخزائن أو البيوت التي تحميها الأقفال والمفاتيح، والتي عبر عنها الله سبحانه وتعالى في هذه الحقبة من عصر قارون وزمانه الذي عاش فيه. ومن هنا أيضاً جاءت الآية الكريمة الأخرى من قوله سبحانه وتعالى "كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ كَذَٰلِكَ ۖ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ" الآية 25-28 سورة الدخان، إنها تعبير آخر عن المسيرة الإنسانية نحو مبدأ الهلاك والفناء والتحلل والاندثار ودوام الحال من المحال، فكل هذه الجنات والعيون والزروع والمقام الكريم والنعمة التي كانوا فيها فاكهين، وهذه الملذات والمتع وهذه المناصب والمقامات الكريمة، وهذه النعم التي نتقلب فيها والتي شبهها الخالق العظيم بالفواكه التي نتفكه بها وهي بمختلف أصنافها ونكهاتها وألوانها ومذاقاتها، فإننا لا محالة سنتركها بعد هلاكنا وموتنا لتنتقل إلى جيل جديد وأقوام آخرين وفق قانون الإرث والتوارث الذي نعرفه جميعاً، والذي عبر عنه سبحانه وتعالى بقوله "كَذَٰلِكَ ۖ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ"، وتلك هي سنة الهلاك في مسيرتها لتؤكد لنا أن دوام الحال من المحال عبر سنواتنا وأعمارنا القصيرة والمحدودة في ظل هذه الحياة بدوراتها وتقلباتها، وعبر مسيرتها نحو اليوم الآخر الذي حدده الخالق العظيم في نواميسه الغيبية والتي لا يعلمها إلا هو، فكل شيء هالك إلا وجهه سبحانه وتعالى، وكل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام وكما أشرت إليه سابقاً. وللمقال بقية الأسبوع المقبل ‏[email protected]