13 سبتمبر 2025
تسجيلهي قصة ذكرها الأبشيهي في كتابه الماتع: المستطرف استحضرتها وأنا أرى حرص بعض المستبدين على كراسيهم ولو كان في سبيل ذلك هلاك شعوبهم، يقول الأبشيهي: عن الفضل بن الربيع أنه قال: حج هارون الرشيد، فبينما أنا نائم ليلة إذ سمعت قرع الباب فقلت: من هذا؟ فقال: أجب أمير المؤمنين! فخرجت مسرعاً فإذا هو أمير المؤمنين، فقلت: يا أمير المؤمنين لو أرسلت إلي أتيتك. فقال: ويحك قد حاك في نفسي شيء لا يخرجه إلا عالم، انظر لي رجلاً أسأله. فقلت له: ههنا سفيان بن عيينة. قال: امض بنا إليه. فأتيناه فقرعت عليه الباب، فقال: من هذا؟ فقلت: أجب أمير المؤمنين! فخرج مسرعاً فقال: يا أمير المؤمنين لو أرسلت إلي أتيتك. فحادثه ساعة ثم قال: عليك دين؟ قال: نعم. فقال هارون: يا عباس اقض دينه، ثم انصرفنا. فقال: ما أغنى عني صاحبك شيئاً، فانظر لي رجلاً أسأله. فقلت: ههنا عبد الرزاق بن همام، فقال: امض بنا إليه، فأتيناه، فقرعت عليه الباب، فقال: من هذا؟ قلت: أجب أمير المؤمنين، فخرج مسرعاً، فقال: يا أمير المؤمنين لو أرسلت إلي أتيتك، فحادثه ساعة، ثم قال له: أعليك دين؟ قال: نعم. فقال: يا عباس اقض دينه، ثم انصرفنا. فقال: ما أغنى عني صاحبك شيئاً، فانظر لي رجلاً أسأله فقلت: ههنا الفضيل بن عياض، فقال: امض بنا إليه، فأتيناه، فإذا هو قائم يصلي في غرفته يتلو آية من كتاب الله تعالى وهو يرددها، فقرعت عليه الباب، فقال: من هذا؟ فقلت: أجب أمير المؤمنين! فقال: ما لي ولأمير المؤمنين؟ فقلت: سبحان الله أوما عليك طاعته؟ [فقال]: أوليس قد روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ليس للمؤمن أن يذل نفسه؟ فنزل ففتح الباب ثم ارتقى الغرفة فأطفأ السراج ثم التجأ إلى زاوية من زوايا الغرفة، فجعلنا نجول عليه بأيدينا فسبقت كف الرشيد كفي فقال: أواه من كف ما ألينها إن نجت غدًا من عذاب الله! فقلت في نفسي: ليكلمنه الليلة بكلامٍ نقي من قلب تقي. فقال: خذ لما جئنا له يرحمك الله. فقال: وفيم جئت؟! حطَبت على نفسك وجميع من معك حطبوا عليك، حتى لو سألتهم عند انكشاف الغطاء عنك وعنهم أن يتحملوا عنك شقصاً من ذنب ما فعلوا، ولكان أشدهم حباً لك أشدهم هرباً منك. ثم قال إن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه لما ولى الخلافة دعا سالم بن عبد الله ومحمد بن كعب القرظي ورجاء بن حيوة فقال لهم إني قد ابتليت بهذا البلاء فأشيروا علي فعد الخلافة بلاء وعددتها أنت وأصحابك نعمة فقال سالم بن عبد الله إن أردت النجاة غدا من عذاب الله فصم عن الدنيا وليكن افطارك فيها على الموت وقال محمد بن كعب إن أردت النجاة غدا من عذاب الله تعالى فليكن كبير المسلمين عندك ابا وأوسطهم عندك أخا وأصغرهم عندك ولدا فبر أباك وارحم أخاك وتحنن على ولدك وقال رجاء بن حيوة إن أردت النجاة غدا من عذاب الله تعالى فأحب للمسلمين ما تحب لنفسك واكره لهم ما تكره لنفسك ثم متى شئت مت وإني لأقول هذا وإنى لأخاف عليك أشد الخوف يوم تزل الأقدام فهل معك رحمك الله مثل هؤلاء القوم من يأمرك بمثل هذا؟ فبكي هارون الرشيد بكاء شديدا حتى غشي عليه فقلت له ارفق بأمير المؤمنين. فقال: يا ابن الربيع قتلته أنت وأصحابك وأرفق به أنا؟! ثم أفاق هارون الرشيد فقال زدني، فقال يا أمير المؤمنين بلغني أن عاملا لعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه شكا اليه سهرا فكتب له عمر يقول يا أخي اذكر سهر أهل النار في النار وخلود الأبدان فإن ذلك يطرد بك إلى ربك نائما ويقظان وإياك أن تزل قدمك عن هذا السبيل فيكون آخر العهد بك ومنقطع الرجاء منك فلما قرأ كتابه طوى البلاد حتى قدم عليه فقال له عمر ما أقدمك؟ فقال له لقد خلعت قلبي بكتابك لا وليت ولاية أبدا حتى ألقى الله عز وجل. فبكي هارون وإياك أن تصبح وتمسي وفي قلبك غش لرعيتك فإن النبي قال من أصبح لهم غاشا لم يرح رائحة الجنة فبكى هارون الرشيد بكاء شديدا ثم قال له: أعليك دين؟ قال نعم دين لربي يحاسبني عليه فالويل لي إن ناقشني والويل إن سألني والويل لى إن لم يلهمني حجتي قال هارون إنما أعني دين العباد قال إن ربي لم يأمرني بهذا وإنما أمرني أن أصدق وعده وأطيع أمره قال تعالى (وما خلقت الجن والإنس الإ ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين) فقال له هارون: هذه ألف دينار فخذها وأنفقها على عيالك وتقوّ بها على عبادة ربك فقال: سبحان الله! أنا دللتك على سبيل الرشاد تكافئني أنت بمثل هذا؟! سلمك الله ووفقك ثم صمت فلم يكلمنا فخرجنا من عنده فقال لي هارون إذا دللتني على رجل فدلني على مثل هذا فإن هذا سيد المسلمين اليوم.