17 سبتمبر 2025
تسجيلتَمر الأيام بنا سريعة، وكنا قبل أيام ننتظر شهر رمضان المبارك الذي يأتينا بظروف استثنائية للعام الثاني على التوالي، نقضي أيامه بتوجس من فيروس كورونا، وبمتابعة أعداد المصابين والمتوفين بشكل يومي، ودون تجمعات الأصدقاء في الغبقات الرمضانية التي اعتدنا عليها، سائلين المولى أن يرفع عنا هذا الوباء، وأن تعود حياتنا لطبيعتها، وها قد انتصف شهر رمضان المبارك وعادت ليلة القرنقعوه، وهي الاحتفال بليلة النصف من رمضان، وذلك بتوزيع الحلويات والمكسرات على أطفال العائلة وأطفال الحي، وجرت العادة أن توضع الحلويات والمكسرات في (جفير) وهو إناء شعبي كبير، ويأتي الأطفال بملابسهم التقليدية حاملين أكياسا مصنوعة من القماش، ويملؤونها بالحلويات والمكسرات وهم يطوفون ببيوت (الفريج)، مرددين أهازيج القرنقعوه تظهر على ملامحهم السعادة والفرح، الذي حُرم الاطفال منه ومن هذه العادة الشعبية التراثية المحببة للوضع الصحي المؤرق الذي يعيشه العالم. ويظل لهذا الاحتفال الشعبي ميزة وذكريات جميلة للجيل القديم الذي عاش طقوس القرنقعوه بتفاصيلها البسيطة الشعبية دون تكلف، عندما كان يخرج أطفال الحي بمجموعات يطوفون على بيوت الجيران للحصول على القرنقعوه، والكل كباراً وصغاراً ينتظرون الاحتفال بهذه الليلة، وإحياء مظاهر التراث من خلالها، كما أن القرنقعوه فرصة لزيارة الأهل في رمضان وهو أمر مستحب، وإسعاد الأطفال بالحلويات وإحياء التراث بالرجوع للملابس التراثية وتعليم الأطفال عاداتنا الخليجية الطيبة في ظل عالم التكنولوجيا والألعاب الإلكترونية وثقافة المدارس الأجنبية، وهذا ما نتمنى عودته بعد السيطرة على جائحة فيروس كورونا التي جمّدت مظاهر الاحتفالات والتجمعات. وعودة للقرنقعوه نلاحظ أن الاحتفال به أصبح مبالغاً فيه، فلم تعد الحلويات والمكسرات هي الهدية الرئيسية للأطفال، فالبعض أدخل النقود ضمن القرنقعوه، ودخلت هدايا أخرى مُكلفة مثل الالعاب والمجوهرات، وأصبحت المحلات تتفنن في ابتكار هدايا القرنقعوه وتبيعها بأسعار باهظة، وخلت من بساطة التقديم، وباتت عبئا على بعض العوائل، والبعض أصبح يجهز لهذه المناسبة قبل دخول رمضان بشراء الملابس المناسبة والتي ابتعدت عن البساطة، فالكل يود أن يدخل المنافسة في تقديم قرنقعوه أبنائهم أكثر تميزاً من أقرانهم. المناسبة اجتماعية رائعة ونحب إحياءها والاحتفال بها، لنرى فرحة الأطفال بالتواصل مع الأهل وبحصولهم على الحلويات ومن منهم ملأ كيسه أكثر، ولكن ما وصل إليه حال الاحتفال بالقرنقعوه اعتقد لا رجعة فيه، فهم يتفنون كل عام بالأفكار التي طمست المناسبة البسيطة وحولتها إلى مظهر للبذخ والإسراف والتفاخر كحال باقي المناسبات الاجتماعية، وعوضاً عن إسعاد الأطفال وتعويدهم على مظاهر العادات التراثية حولتهم إلى مستهلكين وبذلك تنتفي البساطة والبراءة لديهم. * جميل أن نحيي العادات والتقاليد التراثية ونورثها للاجيال، ولكن دون تبذير وإسراف على كماليات فنحن في شهر الخير، والخير في رمضان تقديمه للمحتاجين وإظهار الصدقات والزكاة لتطهير أموالنا ومساعدة المحتاجين وإضفاء السعادة على أرواحهم!. [email protected] @amalabdulmalik