12 سبتمبر 2025
تسجيلإذاً، فقد تحدثنا معاً عن ذلك التصور لجون جراي بأن الرجال من كوكب والنساء من كوكب آخر، وفرق التكوين والطبيعة بينهما يشكلان عاملين أساسيين من عوامل الاختلاف بينهما في الاهتمامات والأولويات والرغبات وتحقيق الرضى عن الذات وغير ذلك من الأمور الأخرى التي تشكل حياة كل منهما في النهاية.. ورأينا كيف وصف الكاتب الأمريكي مارك جونجر بطريقة كوميدية عقل الرجل بأنه أشبه ما يكون بصناديق منفصلة، وعقل المرأة بمجموعة من النقاط الشبكية المنفصلة والمتصلة معاً بنفس الوقت.. وبعد هذا نقف لننظر بعقول مستنيرة باحثين عن الجواب الشافي لسؤال طالما تكرر على مر الأجيال والأزمنة.. ما الحل لمشكلة الاختلاف بين آدم وحواء؟ إن الحل الأمثل لهذه المشكلة التي لا تنتهي ولن تنتهي هو الفهم الصحيح والعميق لطبيعة الاختلافات التكوينية بينهما، والإيمان الواعي والتسليم المطلق بأن هذه الاختلافات ليست أمراً سلبياً، أو أن الخالق تبارك وتعالى قد جعلها فينا لنعاني في علاقاتنا مع الطرف الآخر، فالله عز وجل أمره بين الكاف والنون، وهو قادر على أن يجعل الطبيعة واحدة والقدرات والأمزجة واحدة ومن ثم تسير الحياة بوتيرة واحدة وهكذا، ولكن الحق تبارك وتعالى له حكمة عظيمة في ذلك، فالمرأة خلقها بهذه الفطرة وهذه الميول والمشاعر لتستطيع برصيد حبها أن تحمل أعباء الحمل والوضع والتربية ولتقوم بدورها في خلق روح الحب ودفء العاطفة في البيت، ولتتمكن من تزويد زوجها وأبنائها بما يكفيهم من الحب والأحاسيس التي تشكل الوقود بالنسبة لهم ليتمكنوا من مواجهة الحياة خارج المنزل، هي كذلك لأن الله تعالى خلقها كذلك.. ذلك الجزء اللطيف والرقيق من العلاقة.. والرجل خلق بهذه الطبيعة الصلبة لأنه ذلك الطرف الذي أعطاه الله القوامة، وجعل مسؤولية إقامة العائلة والحفاظ عليها منوطاً به، فهو الذي كلف بالعمل والسعي من أجل امرأته وأبنائه، فكان لابد أن يكون بهذا العقل وهذه التركيبة التي لا تسمح له بالاستسلام والضعف والانكسار عند مواجهة منعطفات الحياة، وهو المعني بعقد رباط الزواج وحله، لأن الله تعالى قد أهله بقدرته العقلية وحكمته على تحمل العواصف والتيارات التي تجتاح أرض الحياة الزوجية والتعامل في كثير من الأمور بعقلانية أكثر منها بعاطفية.. فما دام الأمر كذلك، ففهم هذه الحقيقة يجعل من الحياة أكثر سلاسة وأقل تعقيداً ويجعلنا نتعايش معاً بوعي ونضج فكري مدركين بعمق أن الله تعالى خلق آدم وحواء مكملين لبعضهما البعض وكل منهما له أدواره ومسؤلياته وواجباته في الحياة، ولم يخلقهما متناقضين أو متعادين، وإنما كل ما في الأمر أن هذه العلاقة والشراكة الوطيدة عبارة عن جزء صلب عقلاني، وجزء رقيق شاعري.. وبين صلابته ورقتها تدور أحداث قصة الاختلاف بينه وبينها على مر العصور.