10 سبتمبر 2025

تسجيل

لماذا تتعثر مبادرات الهدنة في السودان؟

25 مارس 2024

قبيل اندلاع حرب الإبادة الصهيونية في غزة في السابع من أكتوبر 2023، نالت الحرب الأهلية في السودان استحواذ الاهتمام الدبلوماسي الدولي والاهتمام الإعلامي أيضا خاصة العربي. وخلال الفترة التي غابت فيها الحرب في السودان عن الاهتمام نظير غزة؛ شهدت الحرب في السودان تطورات شديدة السلبية جراء تزايد حدة الصراع. فبحسب الأمم المتحدة، وصلت أعداد النازحين قرابة الـ 5 ملايين، كما يعاني قرابة 5 آخرين من أزمة غذاء تنذر بمجاعة، بخلاف عشرات القتلى يومياً، إذن فالوضع في السودان لا يقل كارثية عن غزة. إن مبادرات الهدنة والحل في السودان منذ اندلاع الصراع بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني لن تتوقف. ومنذ أحداث طوفان الأقصى؛ جرت جهود تهدئة من قبل كل من قطر والسعودية ومصر والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وغيرها، لكنها لم تسفر عن أي تطور - كما كان متوقعا. كما لم يتم تسليط الضوء عليها بشكل كاف بسبب الانشغال بغزة. ووراء فشل تلك الجهود والمبادرات الساعية حتى لهدنة مؤقتة وكان آخرها قرار مجلس الأمن بالدعوة لوقف القتال في شهر رمضان الكريم؛ أسباب عدة كاشفة للغاية لفشل الهدنة وترشح الوضع في السودان لمزيد من التدهور. منذ اندلاع الصراع الطاحن بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، كان واضحا من البداية أن هذا الصراع سيدوم لفترة طويلة، لأنه في جوهره صراع «صفري» على الهيمنة على السودان، طرف يجب أن يحقق انتصارا ساحقا على الآخر. وما فاقم الصراع أن قوات الدعم السريع تمتلك من الخبرة والإمكانات البشرية والعسكرية ما يمكنها من استنزاف الجيش السوداني أو تحقيق مكاسب على الأرض في ولايات مختلفة. هذا فضلا عن الدعم الخارجي القوي لها. وأبلغ دليل على ذلك هو عدم تمكن الجيش السوداني من تحقيق انتصار حاسم على قوات الدعم بعد قرابة سنة من القتال اليومي المستمر. مقابل ذلك، يصر الجيش السوداني، وفقا لتصريحات مسؤوليه، على القضاء على الحركة ودمج قواتها في الجيش السوداني. إذن، حينما نفسر سبب فشل جهود الهدنة، وبدء حوار أو تفاهم سياسي بين الطرفين، يجب أن نعي أن تحت السطح هذا الصراع الصفري المدعوم خارجيا. وتكمن المشكلة أيضا، أن أية تنازلات خاصة من جانب الجيش السوداني، هي بمثابة إقرار باستمرار قوات الدعم خارج السيطرة التامة كقوة موازية للجيش السوداني. إذ إن موقف حركة الدعم القاضي بعملية الدمج خلال خمس سنوات وإعادة هيكلة القوات المسلحة لبدء حوار مع الجيش لن يتغير، ولن يقبله الجيش أيضا لأنها مجرد مناورة لتقوية الحركة. وإن كان الصراع الصفري بين الطرفين هو السبب الجوهري لاستمرار تأزم الوضع في السودان، تبرز مجموعة أسباب أخرى مدعاة لاستمرار هذا التأزم. ويأتي على رأسها انشغال القوى الكبرى وخاصة الولايات المتحدة بقضايا أخرى أكثر أهمية لديها وخاصة الوضع في غزة. في حين أن الوضع المتدهور في السودان يتطلب مزيدا من التركيز والاهتمام. وأسوة بذلك أيضا، نرى عدم تركيز دولي أو أممي عموما بالسودان حيث ينصب الاهتمام على غزة وأوكرانيا. وهذا بدوره يفشل أية مبادرات للهدنة في السودان التي تحتاج إلى دفعة قوية من القوى الكبرى والأمم المتحدة. ولعل من ضمن الأسباب الأخرى، عدم توافر وسيط حيادي مقبول لدى الطرفين. في حين أن سبب رفض جهود ومبادرات الهدنة التي قدمها أطراف مختلفة تعزو إلى التحيزات الكامنة غير المعلنة لطرف على حساب طرف. وقد سبق وأشرنا في مقالات سابقة، ونكرر الآن، أن الوضع في السودان يحتاج إلى وسيط متمرس حيادي مثل قطر مدعوماً بقوة دفع من قبل الأمم المتحدة والقوى الكبرى خاصة الصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. ملخص البيان، الصراع في السودان يعد من أعقد الصراعات العصية على الحل، ويزداد تعقيداً يوما بعد يوم. وهذا يقتضي في مرحلته الأولى لوقف نزيف الدم المستمر وعرقلة أزمة إنسانية عالمية؛ مزيدا من التركيز الدولي والدفع بوساطة مقبولة وحيادية لدى الطرفين، والضغط لوقف الدعم الخارجي.