29 أكتوبر 2025

تسجيل

لكل داء دواء

25 مارس 2015

قد وصل المسير بِنَا إلى علاج ظاهرة قسوة القلوب بعد أن ذكرنا ماهيتها وبعض أسبابها وأن من توفيق الله أن جعل لكل داء دواء علمه السلف رضي الله عنهم فتمسكوا به .بعضهم كان يتخذ من زيارة المقابر واعظا بليغا وخطيبا أريبا فيذهب إلى هناك حيث السكون المتكلم ويستمع إلى المقابر حيث الحديث الصادق الذي لا يعرف الكذب ولا المداراة.ذكر ابنُ أبي الدنيا عن محمد بن صالح التمار قال: كان صفوان بن سليم يأتي البقيع في الأيام فيمر بي، فاتبعته ذات يوم؛ وقلت: والله لأنظرنَّ ما يصنع ! قال: فقنَّع رأسه وجلس إلى قبر منها، فلم يزل يبكي حتى رحمته . قال: ظننتُ أنه قبر بعض أهله ! قال: فمرَّ بي مرة أخرى، فاتبعته فقعد إلى جنب قبرٍ غيره، ففعل مثل ذلك . فذكرتُ ذلك لمحمد بن المنكدر وقلت: إنّما ظننتُ أنه قبر بعض أهله . فقال محمد: كلهم أهله وإخوانه ! إنَّما هو رجل يُحرك قلبه بذكر الأموات كلَّما عرضت له قسوة . قال: ثم جعل محمد بن المنكدر بعد يمّر بي فيأتي البقيع، فسلَّمتُ عليه ذات يوم، فقال: ما نفعتك موعظة صفوان؟ قال: فظننت أنه انتفع بما ألقيتُ إليه منها .وذكر أيضاً أنَّ عجوزاً متَعبِّدة من عبد القيس كانت تُكثر إتيان القبور، فعُوتبت في ذلك. فقالت: إنَّ القلب القاسي إذا جفا لم يليِّنه إلا رسول البِلى، وإنّي لآتي القبور وكأني أنظر إليها وقد خرجوا من بين أطباقها، وكأني أنظر إلى تلك الوجوه المتعفِّرة، وإلى تلك الأجسام المتغيِّرة، وإلى تلك الأكفان الدنسة !!، فيا له من منظر لم أسرّ به ..ما أنكل مرارة الأنفس، وأشد تلفة الأبدان.وقال زياد النميري: ما اشتقت إلى البكاء إلا مررت عليه . قال له رجل: وكيف ذلك ؟ قال: إذا أردتُ ذلك خرجت إلى المقابر فجلست إلى بعض تلك القبور، ثم فكَّرتُ فيما صاروا إليه من البِلى، وذكرت ما نحن فيه من المُهلة. قال: فعند ذلك تختفي أطواري ! .هي إذا وسائل يتبعها أهلها إيمانا منهم بأن أصحاب القلوب القاسية أبعد الناس عن التلذذ بآيات الله. وقد ذكر أهل العلم عدة أدوية منها :1- معرفة الله حق معرفته فإن جهل الإنسان بربه يجرؤه على حرماته، ولم يعرف إلا شهواته وملذاته. لذلك كانت المعرفة بالله طريقًا جيدًا لعلاج قسوة القلب.2- المداومة على ذكر الله عز وجل: وهذا من أنجع الأدوية لمن داوم عليها في السر والعلانية، في السراء والضراء، في الليل والنهار في كل الأحوال.. يقول تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28].وفي الحديث: "إن هذه القلوب تصدأ، كما يصدأ الحديد". قيل: فما جلاؤها يا سول الله؟ قال: "تلاوة كتاب الله، وكثرة ذكره".وقال يحيى بن معاذ: دواء القلب خمسة أشياء: قراءة القرآن بالتفكر، وخلاء البطن، وقيام الليل، والتضرع عند السجود، ومجالسة الصالحين.وشكا رجل إلى الحسن قسوة قلبه، فقال له: عليك بذكر الله.ويقول تعالى داعيًا أحبابه: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنْ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمْ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد: 16].3- التدبر في آيات الله وأخذ الاعتبار منها؛ فقد أخبر أهل العلم أن من قرأ القرآن حاضر النفس وكان عند نظره وقراءته حاضر القلب مفكرًا متأملاً إلا ورسول العين يؤيد ذلك دمعا والقلب يسبقه خشوعا والنفس بين الحالين متوهجة في أعماقها رقة وانكسار وصدق الله إذ يقول في كتابه الكريم: { كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴿٢٣﴾} [الزمر: 23].4- تذكر الرحيل إلى الله عز وجل فلكل سير خاتمة ولكل بداية نهاية والشمس لا تشرق حتى تغرب وهي جنة أبدا أو جحيم أبدا نسأل الله العافية.5- صلة الأرواح في زيارة أهل المقابر هذه ديارنا الحقة لكل منا وقت يذهب إليها وزيارتها تذكير للغافل وتنبيه للغافل وفيها فوائد كثيرة منها: تذكر الموت، وتُقصر الأمل، وتُرقق القلب، وتُوجد الخشية.قال ابن المنكدر عن رجل يكثر من زيارة المقابر: هذا رجل يحرك قلبه بذكر الموت، كلما عرضت له قسوة [وقال أحد الصالحين: ما اشتقت إلى البكاء إلا مررت عليه. قال له رجل: وكيف ذلك؟ قال: إذا أردت ذلك، خرجت إلى المقابر، فجلست إلى بعض تلك القبور، ثم فكرت فيما صاروا إليه من البلى، وذكرت ما نحن فيه من المهلة. قال: فعند ذلك تختفي قسوة قلبي[٦-الإحسان إلى المستضعفين وخاصة اليتامىفعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رجلاً شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قسوة قلبه، فقال له: "إن أحببت أن يلين قلبك، فامسح رأس اليتيم وأطعم المسكين"[14].وأخيرا كثرة الدعاء أن يصلح الله قلبك فالدعاء سهم صائب متى ما وجد الرامي الصادق ومن جملة الأدعية: "اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي، ومن شر بصري، ومن شر لساني، ومن شر قلبي" قالوا: يا رسول الله، أي المال نتخذ؟ قال: "ليتخذ أحدكم قلبًا شاكرًا، ولسانًا ذاكرًا، وزوجةً مؤمنةً تعينه على أمر الآخرة""اللهم إني أسألك الثبات في الأمر، وأسألك عزيمة الرشد، وأسألك شكر نعمتك، وحسن عبادتك، وأسألك لسانًا صادقًا وقلبًا سليمًا، وأعوذ بك من شر ما تعلم، وأسألك من خير ما تعلم، وأستغفرك مما تعلم إنك علام الغيوب".هذه إشارات وتبقى الحقيقة الأكيدة تشير إلى أن داء القلب من النفس ودواؤه كذلك بعد الاستعانة بالله عز وجل.‏‫وكن في الطريقِ عفيفَ الخُطا شريفَ السَّماعِ، كريمَ النظرولا تخْلُ من عملٍ فوقَه تَعشْ غيرَ عَبْدٍ، ولا مُحتَقَروكن رجلاً إن أتوا بعده يقولون : مرَّ وهذا الأثرْ