12 سبتمبر 2025
تسجيلفي كلمتها بمناسبة اليوم العالمي للشعر تساءلت الشاعرة الإيطالية دوناتيلا بيزوتي: "هل يستطيع الشعر أن ينقذ الحياة؟"، السؤال الذي يقترحه المشتغلون على الكلام، إذ طرح أهل الفكر والنقد سؤالاً مماثلاً: "هل تستطيع الأفكار أن تغيِّر العالم"؟، وفي كلتا الحالين ثمة طرف خفيّ مسكوت عنه، ولكنه المسؤول عن كل هذا الخراب. دوناتيلا متفائلة وتتحدث عن أملها الذي تضخم إلى كتاب تصدر جواب سؤالها: "الشعر منقذا للحياة" تؤمن فيه بأثر الشعر في النفس، شريطة أن يكون داخلنا: "الشعر هو الجزء "الخارق" فينا الذي يتوجب علينا اكتشافه أو استعجال اكتشافه اليوم لمقاومة ترسبات انكسارات اليوم".لا تهمل الشاعرة الإيطالية أن العالم اليوم فقد مفتاحه السحري (الكلمة)، بعد أن تفشت ثقافة الديجيتال مكان الكلمة وصارت الشفرة في بطاقة ممغنطة تفتح باب محل أو حساباً في البنك، مكان الطاقة المكثفة في بيت شعر أو نص كما فعلت عبارة " افتح يا سمسم" في عبارة شعيرة راحت مثلاً. ورغم هذا فهي تؤكد على أن الشعر ليس وصفة مهدئة، ولا بديلاً للهاربين من واقعهم، فللشعر عند دوناتيلا: "قدرة على حملنا إلى مركز فقدناه، فهو ما يصلنا بالجزء العميق فينا". وفي الكلمة التي ألقتها في المغرب تدعو إلى التخلي عن النزعة النفعية التي تسعى إلى السيطرة على العالم بالعلم والتكنولوجيا والهيمنة التي ستأخذنا إلى الجدب الروحي، زاعمة أن الشعر يضع الحكمة مكان العلم.من جهة أخرى يكتب شاعر عربي في المسألة ذاتها وفي المناسبة ذاتها، قارئاً الشعر من خلال قرينه النثر، كأداتين بين فريقين من الباحثين، النثر ذلك المُفسِّر الهادئ المهيب الذي: "يُفسِّر ويُحلّل الظواهر والعيوب والهفوات، السياسية والثقافية والاجتماعية، ويجد تأويلات لحضورها". كما أنه يضع تحت الشمس الظواهر المستعصية والعيوب والهفوات، ويَصِفُها، فالنثر مفسّر ووصّاف، ولكن الشعر يبدو، بين الطرفين كأنه (جملة اعتراضية) فهو فعلاً مغاير للتفسير والوصف.فالشعر عند الناقد العراقي شاكر لعيبي جملة اعتراضية تقع بين المسند والمسند إليه كالمبتدأ والخبر، أو كالفعل والفاعل بغرض التوكيد وتقوية الكلام وتحسينه. ومن هذا الباب فالشعر: "جملة اعتراضية لكن لها وظيفة عميقة ولا يمكن حذفها ولا تفسّر شيئاً، وهي ضرورة ماسة. إنها تعقيب على جملة الوجود، وتوقف مستمر في تأمل الموجود". وبهذا فهو مربك لأنظمة اللغة المألوفة.إن المعول على الشعراء كثير، لأنهم مستأمنون على كلمة الحق، إن لم يجرؤوا على النطق بها، فلا أقل من تغطيتها بمجازٍ يضمن رأس صاحبها، أو حتى الامتناع عن قول الباطل، وإن المعول على الشعر الكثير في عالم ينزّ فيه القبح، وهو الذي يكتنز من الجمال ما يكفي ليصبغ الكون بقيم الحرية والعدل والمحبة.ربما كان بيت شعر جاهلي قد نجح في الإعلان عن حرب أو دم، ولكنّ كثيراً من شعرهم لجم القتل في النفوس، وأعادها خضراء. الشعر بخير، ونحن أيضاً، إذا استطعنا ألا نموت.