14 سبتمبر 2025
تسجيلالطبيعي هو أن يتمسك الطبيعي منا بكل ما يُبيحه العقل والمنطق وإن لم يكن؛ ليتوافق مع القلب أحياناً، فالمعروف أن هذا الأخير يندفع وبشراسة نحو ما يريد فعله حين يتعلق الأمر بحقوقه وهو ما يكون على أكتاف (غضبه) الذي يدور به هنا وهناك بخطوات مُبعثرة غير مدروسة وداخل حلقات فارغة تستفرغ الحقيقة دائماً؛ لأنها لا تقوى على تحملها، وهو ما يحدث مع الغالبية العظمى عند اشتعال أي موقف قاتل، ولكنه ما لا يأخذ أكثر من دقائق ولربما لحظات؛ ليُعود فيها العقل إلى قواعده، ويتسلم زمام الأمور، بعد أن تصبح الصورة أوضح، وتصبح القدرة على التركيز للتفكير أكثر صلابة؛ لندرك مع كل ذلك ما نقوله، وما يمكن أن نقوم بفعله. لقد بدأت مقالي اليوم بهذه الكلمات التي طلت بغرته؛ لأني عشت موقفاً انتزع قلبي من مكانه الأسبوع الماضي، فحرصت على أن يكون مقال هذا الأسبوع ساخناً لا رحمة فيه، ولكن ومع مرور الوقت، وفتور موجة الغضب بدأت أدرك أن الأمر يحتاج مني إلى تركيز شديد؛ كي أتمكن من طرحه بشكل سيعود بنفعه على الجميع، فلا يجدر به أن يكون وسط دائرة مغلقة تحتوي ضحية واحدة، ولكن ما يجدر به التوسع؛ لاحتواء من يعاني من ذات المعاناة دون أن يجد له من يهتم بأمره، ويُسلط الضوء عليه؛ ليُخرجه من تلك الدائرة بسلام، وهو ما سيكون لنا من بعد السطور التالية: في حادثة غريبة جداً مضى عليها أكثر من عام؛ بسبب التكتم الذي فُرض على أطفال الروضة، ظهرت الحقيقة الغائبة لمُعلمة اجتمعت بطلابها في حصة (مسجدي)؛ لتعلمهم القيم الجميلة التي ينادي بها ديننا الإسلامي الحنيف، ومع مسحة الأمان التي مسحت بها على قلوب الطلاب، بدأ كل واحد منهم بفتح قلبه الصغير لتلك المُعلمة (التي كانت ومنذ عام مضى مجرد أم تحضر إلى الروضة من أجل ابنها، ولكن وبعد أن انتقل إلى المدرسة، وحرصاً منها على طفلتها الأصغر سناً، فلقد قررت العمل في تلك الروضة؛ كي تكون إلى جانبها تلك الصغيرة)، فما الذي حدث حين فتح أحدهم قلبه لها؟ ارتطمت المعلمة بحقيقة تعرض ابنها لضرب مُبرح وبطريقة وحشية من مُعلمة سبق لها وأن عملت في الروضة، ولكن لظروف وأسباب خاصة بالإدارة فلقد رحلت بعد أن تركت في قلب ذاك الصغير أثراً بشعاً، لاشك أنه سيؤثر عليه وإن لم يتحدث بالأمر، خاصة وحين ظلت تلك (المُدعية) تنكر ما قد توجهت به الأم إليها من تهم، وأقسمت بأنها لم تفعل أي شيء، ونظراً لمكانتها فلقد حسبت الأم أن دعوى الصغير كاذبة؛ لذا فلقد قبلت بتصديق المعلمة، بعد أن حُفظ حق الصغير عند القدير، الذي شاء وبعد أن مضى العام بأن يطل من جديد؛ ليظهر ويُظهر للأم حقيقة ما حدث مع طفلها؛ لتذهب هذه المرة وهي تملك الحجة، وتقدمها للإدارة التي وكما يبدو أنها قد كانت غائبة عن الوعي حينها فتقوم بما يتوجب عليها القيام به، ولكن بدراية تامة هذه المرة، وهو ما قد كان، وإن لم يكن شافياً لقلب أي أم تدرك الطريقة التي تعرض فيها صغيرها للضرب، ولكن وكما قالت الأم: لقد وكلت أمري لرب العباد، وحقي سيصلني بإذنه. والأمل بالله يكبر مع كل يوم؛ لأنه الأقدر على الاهتمام بهذا الأمر كما يجب، ونحن على ثقة تامة بأنه سيصلنا كاملاً كما وصلتنا الحقيقة الغائبة وبإذن الله تعالى.وماذا بعد؟تفاصيل الحكاية مؤلمة جداً، ولكن ما يؤلم أكثر هو أن ندرك مثلها تلك التفاصيل ونكتفي بأن نشهدها وكأن شيئاً لم يكن، ولعل منا من سيقول: وما الذي نتحدث عنه الآن، خاصة وأن ملف ذاك الصغير الذي تعرض للأذى قد تم إغلاقه، وانتهت الأمور على خير؛ لأجيب عليه بالتالي: (نعم) قد تحدثت عن الصغير الذي تم إغلاق ملفه، ولكني حرصت على تسليط الضوء على كل صغير يتعرض لتنمر المعلم، الزملاء، الجيران، أبناء الحي، الخدم، أو أي أحد يمكن أن يقترب منه بشر كامن دون أن يجد له من يردعه ويقف من أمامه؛ ليحافظ على الصغير ويحفظ له حقه، ودون أن يلتفت إلى توسلاته بتواجد من يستمع إليه؛ ليصدق ما يقوله وما يأتي به بين الحين والآخر، وهو ما أقول بالنيابة عنه: أرجو منكم الاهتمام وبصدق بكل تفاصيلي حتى وإن بدت صغيرة بالنسبة لكم. أيها الأحبة لا يجدر بنا رفض هموم الصغار وإن بدت صغيرة، بل على العكس يجدر بنا الأخذ بها وتفحصها جيداً حتى وإن كان لهم عالمهم الخاص بهم، والذي ومن الممكن بأن يطلوا به ومن خلاله بكثير من التخيلات، التي سنمل معها، وسنشعر بأن أي شيء آخر يمكن أن يكون بعيداً عن الواقع الذي نعيشه رغم أنه من قلب الواقع، وما يجدر بنا تقبله والتمسك به كدليل سيأخذنا فيما بعد للحقيقة التي ومن الممكن أن تكون غائبة عنا، وما أن نجدها حتى ندرك المأساة التي كنا على وشك مواجهتها إن لم نبادر بالتحقق من سلامة كل شيء. المأساة التي عادة ما تترك جرحاً غائراً في قلب الصغير؛ ليحمله معه في كل محطة من محطات حياته حتى يجد من سيساعده على معالجته؛ كي يتخلص من آثار ذلك الجرح، وهو ما لا يمكن التنبؤ به أبداً، فهو بيد الله ولا أحد سواه، ولن نعرف بأمره ذاك الجرح أبداً حتى يأذن لنا، وندخل إلى تلك الدائرة المُغلقة متى سُمح لنا بذلك، وهو كل ما يمكن تجاوزه إن سمحنا لأنفسنا ومنذ البداية بالتنازل والنزول إلى مستوى الصغير؛ لمعرفة ما يريده منا حين يتمسك بطرف الثياب ويقول: ساعدوني.يقع ما يحدث لصغارنا وهم صغار السن على عاتق الكبار ممن سيتحملون نتيجة أفعالهم التي تكون وفي مرحلة من المراحل (فاترة) لا تُعبر عن أي شيء، ولا يمكن لأي أحد أن يعتمد عليها؛ لذا يجدر بنا التركيز على بث التوعية التامة فيما يتعلق بالتعامل مع الصغار ممن يحتاجون إلى الشعور بالأمان، وذلك بالتركيز عليهم، وبتخصيص الوقت الكافي الذي يسمح لنا بالتعرف على أبسط مطالبهم أولاً، ومن ثم تقرير التالي، فإن كانت تستحق وجب علينا الاهتمام بها وتلبيتها لهم، وإن لم تكن كذلك فيكفي أننا قد أدركنا ما يدور في عالمهم الصغير، مما يعني أننا سنظل معهم دون أن نترك تلك المهمة لمن لا يملك حق توليها؛ لنأتي ومن بعد؛ لنهدد ونعد بما لن يُصلح أي شيء، كما لن يُصلح العطار ما أفسد الدهر.وأخيراًما سنخرج به؛ لندخل على عالم الحقوق هو أن الأطفال أمانة، تبدأ من البيت ومع الأهل، ثم تمتد؛ لتنتقل إلى الآخرين ممن تُجبرنا الحياة على الاستعانة بهم من أجل مصلحة الصغار، وهو ما يجدر بنا معه تقديم المزيد من الاهتمام المُركز؛ لينصب عليهم أينما كانوا، ونحرص معه على متابعة يومياتهم دون أن نُلقي بمسؤولية تلك المهمة على عاتق من لا يتمتع بالمسؤولية أبداً، ويمكن أن نتعرف عليه بمراقبته كل الوقت، حتى نتأكد من سلكه للصراط المستقيم، وهي المهمة التي لا تقع على عاتق الأهل فقط، بل يجدر بجهات معنية ومختصة بالدولة متابعة الأمر أيضاً، فلا تعتمد العملية على طرف دونها الأطراف الأخرى التي يمكنها تقديم المساعدة من أوسع أبوابها، فهو البيت بكل من فيه، والمدرسة بكل من فيها (وهي التي تتولى مهمة مراقبة كل من يعمل فيها وتحت اسمها)، ثم المجلس الأعلى للتعليم، الذي يتوجب عليه متابعة كل مدرسة، وما يدور فيها وإن لم يحمل ذلك صفة رسمية التوقيت، فالطالب ليس مجرد قالب فكري نهتم لكل ما ينصب فيه من علم ومعرفة؛ لنركز عليه كل الوقت، ولكنه قالب إنساني يحتاج لمن يتابع ما يخترق قلبه أيضاً ويستحق المتابعة الصارمة حتى لا يكون الثمن ما سنبكي عليه لاحقاً وكان من الممكن ألا يكون.