10 سبتمبر 2025
تسجيلقد يكون من السائد أن فكرة النجاح مرتبطة دائماً بالإنجازات المادّية والملموسة، تلك الإنجازات الصاخبة المرئية التي يُشار لها بالبنان ! فمن نجاحٍ دراسي يُقيّم بعلوّ الدرجات، ووفرة الشهادات، إلى نجاحٍ مالي يُقاس بحجم الأرصدة البنكية، وبذخ الحياة المادّية، ورفاهية العيش، إلى نجاحٍ اجتماعي يُثمّن بعدد الأصحاب، وقوة نفوذ العلاقات.. وهكذا وليس في ذاك النوع من النجاح أية شائبة، بل هو نجاح مُعتبر إن كان (حقيقياً) ويُمثل ما يريده صاحبه فعلاً وليس فقط مسايرةً لاقتطاف الانتباه والتألق الكاذب.. ولكن في المقابل، هناك ما أُطلق عليه (نجاحات ناعمة) لا يلحظها كثيرٌ من الناس لأنها ببساطة غير صاخبة.. نجاحات خفيّة قد تصل إلى لغة الصمت حتى يكاد صاحبها نفسه لا يتعرّف عليها ! انتصاراتٌ نفسية، وذاتية ونعم ترفل بها قد لا يرى مظاهرها من ينخدع فقط ببهرجة المظاهر، ومن يقيس النجاح فقط بشكله المادّي المتألق الذي يُبهر الآخرين ! إن كنت تريد التعرّف عليه فحاول أن تتذكر كم من انتصاراتٍ داخلية تغلبتَ فيها على خوفٍ في نفسك، أو انتشلت حزنا في قعر ذاتك، قد سجلتها في خانة نجاحاتك ؟ كم من أيام سعيدة هادئة نعمت بها براحة البال وصفاء السريرة لم تسجلها ضمن انتصاراتك ؟ كم من اجتماعٍ سعيد مع أبنائك أو أفراد عائلتك يسوده الانسجام والفرح لم تعده نجاحا معتبرا ؟ كم لحظة عطاءٍ صادقة ولو ابتسامة افتر ثغرك بها لأحدهم أضاءت بها ظلامه، أو كلمةٍ من نورٍ منك عابرة تركت أثراً لا يُمحى في روحٍ متعبة، نسيتها ربما، ولكن لم تعدم بها بصمة لا تُنسى ؟ كم من معروفٍ حقّرته وهو عند الله عظيم ؟ كم من إطراء صادق قدمته لأحدهم بعفويتك ولكنه صنع يومه ؟ كل هذه النجاحات الناعمة هامسة ! ربما لم تنل قدرها من الصخب والثرثرة.. هي انتصارات قد تصل إلى حد الصمت لكنها تركت حُسن الأثر.. إن ضاعت عندك ولم تلحظها فهي عند الله لم ولن تضيع.. وسترى أثرها في نفسك وعلى من حولك آنياً أو تالياً. *لحظة إدراك: لا تظلم نفسك عندما تبتئس وتظن أنك غير ناجح وفق مقاييس المجتمع، أنتَ أعلم الناس بمعاركك الداخلية وانتصاراتك، بالظروف التي مررت بها وعايشتها وتجاوزتها وأنت الأعلم في المقابل بمسراتك الخفيّة ونعم الله عليك التي تحتاج منك ملاحظةً وشكراً وامتناناً. والله يعلم فوق علمك ما أخفيت وأعلنت من نواياك وأعمالك.. والمُطمئن أن مقاييس الله لا تشبه مقاييس البشر، فافرح بكرمه وتنعّم بملاحظة وتقدير نجاحاتك الهادئة وعوّد نفسك على رصدها.