11 سبتمبر 2025
تسجيلآية ختم الله بها سورة العنكبوت، وأجاب بها على سؤال طرح في بداية تلك السورة ليرسم الطريق لمن أراد الحق واستشعر الخطر فبحث عن النجاة. يقول الله في بداية السورة (الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) الحياة دار ابتلاء ولابد، والامتحان فيها واقع لا محالة ليميز الله أهل الصدق من أهل الكذب، وأهل الحقيقة من أهل الادعاء، فما أسهل الدعوى وما أقل الصادقين فيها. (ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم) ابتلاء ينكشف به المجاهدون والصابرون ويتميزوا وتصبح أخبارهم معروفة، ولا يقع الالتباس في الصفوف، ولا يبقى مجال لخفاء أمر المنافقين ولا أمر الضعاف والجزعين. «إن الله - جلت حكمته - يأخذ البشر بما هو في طوقهم، وما هو من طبيعتهم واستعدادهم. وهم لا يعلمون عن الحقائق المستكنة ما يعلمه. فلا بد لهم من تكشف الحقائق ليدركوها ويعرفوها ويستيقنوها، ثم ينتفعوا بها. والابتلاء بالسراء والضراء، وبالنعماء والبأساء، وبالسعة والضيق، وبالفرج والكرب.. كلها تكشف عما هو مخبوء من معادن النفوس، وما هو مجهول من أمرها حتى لأصحابها. لذا كان ختام سورة العنكبوت مبرزا لمريد الحق: وجهة الطريق ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا) وهنا تقرر الآية حقيقة شرعية وسنة إلهية مفادها: أن الخلاص من الفتن لا يكون إلا بالمجاهدة، هذا هو المخرج على هذا الطريق الصعب، هذا الطريق الذي «تعب فيه آدم, وناح لأجله نوح, ورمى في النار الخليل, وأضجع للذبح إسماعيل, وبيع يوسف بثمن بخس, ولبث في السجن بضع سنين» وهم من هم مكانة عند الله تعالى، لكنهم جميعا ابتلوا وكان البلاء شديدا نظرا لتك المكانة العلية التي تنتظرهم. إن الإيمان بالله «ليس كلمة تقال إنما هو حقيقة ذات تكاليف؛ وأمانة ذات أعباء؛ وجهاد يحتاج إلى صبر، وجهد يحتاج إلى احتمال. فلا يكفي أن يقول الناس: آمنا. وهم لا يتركون لهذه الدعوى، حتى يتعرضوا للفتنة فيثبتوا عليها ويخرجوا منها صافية عناصرهم خالصة قلوبهم، كما تفتن النار الذهب لتفصل بينه وبين العناصر الرخيصة العالقة به وهذا هو أصل الكلمة اللغوي وله دلالته وظله وإيحاؤه وكذلك تصنع الفتنة بالقلوب» الذين جاهدوا في الله ليصلوا إليه؛ وليتصلوا به، الذين احتملوا في الطريق إليه ما احتملوا فلم ينكصوا ولم ييأسوا، الذين صبروا على فتنة النفس وعلى فتنة الناس، الذين حملوا أعباءهم وساروا في ذلك الطريق الطويل الشاق الغريب؛ أولئك لن يتركهم الله وحدهم ولن يضيع إيمانهم. بل سيرضيهم ويهديهم ويأخذ بأيديهم، فيجازيهم خير الجزاء، والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.