28 أكتوبر 2025

تسجيل

هل سيؤدي طوفان الأقصى إلى إعادة ضبط العلاقات الأمريكية الإسرائيلية؟

24 ديسمبر 2023

الحماية المطلقة للولايات المتحدة لإسرائيل مسألة محسومة، وأسبابها المتعددة قُتلت بحثا ويعلمها حتى غير المتبحرين في العلاقات الدولية، ويأتي على رأسها هيمنة اليهود على مفاصل السياسة والمال والإعلام داخل الولايات المتحدة، فضلا عن اعتبارات دينية وتاريخية. وبدا ذلك بوضوح شديد في دفع إدارة بايدن بكل ثقلها بصورة غير مسبوقة لحماية إسرائيل عقب عملية طوفان الأقصى لأنها شعرت أن وجود إسرائيل ذاته قد أمسى في تهديد خطير. وذلك من قبيل إرسال أكبر حاملة طائرات، ودعم عسكري ومالي. وسياسي أيضا من قبيل عرقلة قرارات مجلس الأمن القاضية بوقف العمليات على غزة، وتأييد حق إسرائيل المطلق في الدفاع عن النفس ضد ما أسمته هجمات حماس الإرهابية. لكن من يتابع حراك الدبلوماسية الأمريكية على مدار شهر تقريبا وحتى كتابة هذه السطور، يلحظ ثبات الدعم الأمريكي لإسرائيل في حربها على قطاع غزة، لكن مع بروز توترات على السطح- ربما غير مسبوقة - بين واشنطن وتل أبيب. إذ من الملفت في صدد ذلك، أن واشنطن عبر كبار مسؤوليها أكدت على مسألة رفض تهجير أهالي قطاع غزة. بل والأغرب من ذلك، أدان مسؤولو الإدارة الأمريكية حتى بايدن استمرار قتل المدنيين في غزة. وأفادت تسريبات متعددة، أن ثمة خلافا كبيرا بين إدارة بايدن وإسرائيل حول إدارة وأهداف العمليات الإسرائيلية في غزة، بما في ذلك الهدنة بين حماس وإسرائيل. ونظير ذلك، نرى أن إسرائيل خاصة عبر رئيس وزرائها نتنياهو يبدو أنه يقصد إحراج واشنطن وتحدي إرادتها. إذ عادة ما يخرج بتصريحات معاكسة تماما لتحذيرات واشنطن، من قبيل التأكيد على استمرار العمليات العسكرية في غزة لشهور حتى القضاء على حماس، بينما- كما أفادت التسريبات وتلميحات بعض مسؤولي الإدارة الأمريكية - تسعى واشنطن إلى إبرام اتفاق لتبادل الرهائن مقابل وقف العمليات تماماً. كما يتبين من العمليات الوحشية لإسرائيل على أهالي القطاع نوايا إسرائيل المستميتة للدفع بسيناريو التهجير، وهو ما تعارضه واشنطن تماماً. ويعزو الكثير من المحللين سبب التوتر بين واشنطن وتل أبيب حول غزة إلى تأثير غزة على الانتخابات الرئاسية لبايدن، وإحراج إسرائيل لواشنطن أمام العالم، أو أسباب أخرى. وإن كانت تلك الأسباب وجيهة بالطبع لاسيما انتخابات بايدن القوية أمام غريمه ترامب، حيث أصبحت غزة رقما صعبا في حسم هذه الانتخابات. ومع ذلك، فسياق العلاقات الأمريكية الإسرائيلية يجب أن ينظر إليه عبر منظور أوسع. التوترات الناشئة عن طوفان الأقصى وحرب غزة بين واشنطن وتل أبيب، والتي تتصاعد يوميا بصورة غير مسبوقة، تعد في حقيقة الأمر كاشفة لمتغيرات وتحديات أكبر ستدفع العلاقات- بلا أدنى شك - بين البلدين إلى إعادة صياغة تكون أكثر انضباطاً وتكون واشنطن لها اليد العليا في صياغتها وإدارتها. الولايات المتحدة القوى العظمى في العالم، لا يقع على عاتقها عبء الحماية الأبدية لإسرائيل وفقط، بل لديها مصالح وحسابات إستراتيجية في المنطقة والعالم شديدة الحيوية والتعقيد. الاهتمام الأمريكي في المنطقة متراجع بصورة واضحة قرابة العقد نظير التركيز التام على المحيط الهادئ حيث الصعود الصيني التحدي الخطير لواشنطن، بل إن سبب بقاء القوات الأمريكية في المنطقة في ظل تراجع الاهتمام يعزى إلى بقاء مستوى الردع المطلوب لحماية أمن إسرائيل. لكن عندما تدفع تصرفات إسرائيل الهوجاء واشنطن إلى إعادة التركيز التام لها في المنطقة على حساب الصين، وروسيا وأوكرانيا في المرتبة الثانية. هنا لابد أن يعلو صوت المصلحة الإستراتيجية لواشنطن على صوت إسرائيل. وما أدل على ذلك، من رفض الجمهوريين في الكونجرس الأمريكي إعطاء مساعدات مالية إضافية لإسرائيل. بل برزت أصوات سياسية وأكاديمية لامعة في واشنطن تطالب واشنطن بوقف الدعم المطلق لإسرائيل. عملية طوفان الأقصى والحرب العدوانية على غزة، من المؤكد نبهت واشنطن أنها لن تؤدي إلى إغراقها في المنطقة وحسب، بل من الممكن أن تورطها في حرب إقليمية ستقضي على ما تبقى من مقومات قوة للولايات المتحدة. لذا، نتفق مع الآراء التي تجادل أن واشنطن قد أرسلت أكبر حاملة طائرات لها في المتوسط لمنع حرب إقليمية، أو كما يجادل البعض لحماية إسرائيل من نفسها. وللتأكيد على ذلك، هذا التشديد الأمريكي المستمر على خيار العودة للتفاوض في إطار حل الدولتين. ونقدر أن هذا ما تسعى إليه واشنطن بقوة إنهاء الحرب في غزة والتركيز الكبير على الحل التفاوضي. وفي خضم ذلك، يبرز من جديد ملف التطبيع وملف التسوية مع إيران، بغرض الهدف النهائي وهو ضمان استقرار المنطقة وأمن إسرائيل وتركيز أقل في المنطقة. وعلى هذا المنوال، فمن المؤكد أن واشنطن خلال الأعوام القليلة القادمة، ستمارس جميع أساليب الضغط على إسرائيل لضمان حليف مطيع، بل والأهم من ذلك، عرقلة تشكيل حكومة إسرائيلية يتحكم فيها يمين متطرف سينهي وجود إسرائيل. ولعل هناك متغير آخر لا ينتبه إليه الكثيرون، والمتعلق بالتحول الكبير في التركيبة الاجتماعية داخل الولايات المتحدة نتيجة لموجات الهجرة. حيث غدا تتشكل لوبيات من أعراق متعددة بما في ذلك من الجاليات المسلمة، كما غدا اليسار الأمريكي في اتساع نوعي. ولعل تتوحد تلك اللوبيات على مناصرة القضية الفلسطينية ورفض الاحتلال الصهيوني، وهو ما تكشف بوضوح من المظاهرات العارمة داخل الولايات المتحدة المناهضة لمجازر غزة. وهذا بالقطع سيكون عاملا مؤثرا على قرار واشنطن بشأن الدعم المطلق لإسرائيل، ولعل بايدن يضع في حساباته هذا العامل حيث يميل ملايين المهاجرين والأقليات إلى الحزب الديمقراطي. ملخص البيان، الحماية الأبدية لواشنطن لإسرائيل لن تنتهي، لكنها من المؤكد على إثر طوفان الأقصى ستتخذ نمطاً أكثر انضباطاً وصرامة، بحيث يكون المتحكم والموجه الرئيسي لإسرائيل هو واشنطن.