26 أكتوبر 2025

تسجيل

تكريم

24 ديسمبر 2014

كان أسبوعاً غنياً بالمناسبات، عشته كاتباً ومعلماً، وحظيت فيه بأكثر من تكريم، فمن فوز لطالبي في مجال الإلقاء، وقراءته الجميلة أمام محفل رسمي وتربوي قصيدة حافظ إبراهيم الخالدة في اللغة العربية بمناسبة اليوم العالمي للغة الضاد، إلى تكريم سعادة وزير الثقافة للمبدعين في قطر، إلى تكريم الفريق المدرسي الذي أشرف عليه بأفضل تغطية صحفية لفعالية درب الساعي المقامة في إطار الاحتفالات باليوم الوطني وبالتعاون مع جريدة الشرق بيتي الثاني الذي أقيم فيه منذ عقد ونصف.للفوز طعم جميل يعيدك إلى طفولة مختبئة تبحث عمّن يلوّح لها، وفي التكريم هناك ألف سبب وسبب لتفرح، على الأقل لتخرج من حالة الوهن والحزن المزمن الذي تعيشه كشاعر أوّلاً وسوريّ ثانياً، على الأقل لتنسى ولو للحظات الموت والدمار والقصف والنازحين واللاجئين، لكي تقول مثلاً إن السوريّ قادر على الإبداع في أشدّ الظروف قتامة وحلكة.منذ زمن بعيد، خفتت اللهفة والدهشة، بات اللهاث اليومي وراء واجبات الوظيفة والالتزامات ديدن الإنسان المعاصر، باتت لحظات الحلم قليلة، والآلة التي استزرعت في داخلك تعمل بدأب، ودون أدنى عاطفة تقريباً يرتدي المرء يومه، في سيرورة سيزيف نحو آخر اليوم يدحرج صخرة الواجب اليومي إلى منتهاها.في أخرياته صرّح الشاعر العراقي الراحل عبد الوهّاب البياتي كيف يستطيع عامل مكدود ينام مبكراً أن يستشرف الغد ويحلم ويكتب القصيدة، ويقول مواطنه وصديقي الدكتور باسم عبود في مقال عمره أكثر من عشر سنوات: كيف يستطيع الشاعر أن يقود سيارة، ذلك أن (سَرَحانه) الطويل وراء الصور كفيل بأن يودي به في أوّل إشارة مرور حمراء.في معاناة الإنسان المعاصر خصوصا المواطن العربي يخفت صوت الشعر في المدن الكبرى، المدن التي لا يهدأ فيها ضجيج السيارات في شوارعها العامّة، مدن تستيقظ فيها الرواية بسردياتها التي تحتضن آلام الإنسانية في صراعها مع لقمة العيش، ولهذا يعجب الناس كثيراً: "أما زال هناك شعر؟" الشعر الذي كان يفلت من الغابة ويسير إلى مدن الخمسينيات الصغيرة المغلقة بأقدام القرويين الحافية، وبفقرهم العنيد، بدهشة أحمد عبد المعطي حجازي، وآلام أبناء شعر الستينات السوريين القادمين إلى العاصمة، ما جعل ناقداً كحنّا عبود يصف كلّ كتاباتهم بالعسل المرّ.أقف أمام التكريم طفلاً يستغفل السنين ويركض في ضحكة خجولة، تهرول داخله فصول المدرسة وملعب الكرة، ولحظة تسليم الشهادات، واحتجاج ترتيب المتفوقين، أقف قليلاً وأسأل: "ألم نكبر على التكريم؟".. لكنّ الطفل الذي حسبته مات يقفز فوق حاملاً شهادة مرحى، في كلّ مباركة حقيقية تأتي من الأصدقاء والأقارب وطلابي الذين كبروا هناك أيضاً.تتقاطع دوائر عديدة في المناسبة؛ أصدقاء الطفولة، زملاء الدراسة الأولى، طلابي المتناثرون على ربع قرن، أقاربي الذين يذكرونني بأمجاد القبيلة، زملائي في أكثر من مدرسة، الأصدقاء في البلاد والمنافي. وأسأل كيف لمناسبة كهذه أن تصنع فرحاً افتراضياً يصوغ ذاته في أكثر من بقعة؟ يا لهذا الزمن الافتراضي؟