12 سبتمبر 2025
تسجيلفرانسيس فوكوياما هو صاحب نظرية نهاية التاريخ اعترف بأنه أخطأ ، وأن مالم يتوقعه هو أن السلوك الأمريكي يمكن أن يثير كل هذا العداء لأمريكا على المستوى العالمي . ولقد كان أكبر أخطاء أمريكا عقب 11 سبتمبر هو توسيع نطاق الحرب والتي كلفتها مئات المليارات من الدولارات ، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من الضحايا . أما الخطأ الثاني فهو أن أمريكا لم تحاول التعرف على ما يمكن أن تثيره ممارستها للقوة من ردود أفعال على المستوى العالمي . لقد رأى رجال بوش أن أمريكا يجب أن تتصرف اعتماداً على قوتها دون اعتبار للأمم المتحدة أو حتى حلف الناتو . ولقد أوضحت حرب العراق مدى قوة أمريكا العسكرية لكن ذلك أثار غضب الكثير من دول العالم حتى حلفاء الولايات المتحدة ، وأدى ذلك إلى تزايد العداء لأمريكا على المستوى العالمي . أما الخطأ الثالث الذي ارتكبته أمريكا فهو أنها لم تستطع أن تقدر فعالية القوة العسكرية عند التعامل مع دول ضعيفة ومع تنظيمات ذات طبيعة عالمية . إن أمريكا تمتلك قوة عسكرية تفوق قوة أية دولة طوال التاريخ الإنساني ، وهي تنفق على قوتها العسكرية ما يزيد على الإنفاق العسكري لكل دول العالم . لكن هذه القوة لا تستطيع التعامل مع قوى تجتماعية معقدة غير منظمة بشكل مركزي . يضيف فوكوياما إن إسرائيل ارتكبت الخطأ نفسه حين استخدمت قوتها الضخمة لتدمير حزب الله في جنوب لبنان . يمكن أن نضيف إلى ما كتبته فوكوياما إن إسرائيل استخدمت كل قوتها بهدف تدمير حماس في غزة ، لكن تلك القوة لم تكن قادرة على تحقيق النصر ، واضطرت إسرائيل لوقف الحرب لأنها أدركت أنها يمكن أن تتعرض لهزيمة إذا ما دخل جنودها إلى قطاع غزة للإشتباك بشكل مباشر مع مقاتلي حماس . ولذلك ظلت إسرائيل تدمر المباني بواسطة الصواريخ ولم يجرؤ جنودها على مواجهة قتالية على الأرض . يفسر فوكوياما ذلك بأن أمريكا وإسرائيل لم تدركا خطورة التحديات ، حيث قامت تجاربهم على مواجهة الدول القومية وتدمير الجيوش النظامية لهذه الدول ... لكن استخدام القوة لا تجدي نفعا مع تنظيمات لها جذور اجتماعية ، ولا يمكن التعامل معها باستخدام القوة التقليدية ، الخطأ الرابع الذي ارتكبته إدارة بوش إنها لم تخطط لما بعد الاحتلال ، ولم تحاول التعرف على التهديدات التي يمكن أن تواجه جيشها بعد السيطرة على الأرض ، وإزالة النظم . ففي العراق لم تستطع أمريكا إقامة نظام ديموقراطي أو تحقيق الأمن لشعب العراق ، كما أن الجيش الأمريكي لم يستطع مواجهة الموقف حينما اكتشف أنه قد أخطأ . ولقد تجاهل بوش حكمة الآباء المؤسسين للولايات المتحدة وهي أن استخدام القوة يشكل خطراً على أمريكا نفسها ، حتى لو كان هذا الاستخدام مبررا من الناحية الديموقراطية ، لذلك فقد اخترعوا نظاماً دستورياً يفصل بين السلطات ، لمنع السلطة التنفيذية من اتخاذ قرارات باستخدام القوة . لكن الإدارة الأمريكية في عهد بوش أضعفت هذا النظام نتيجة لرغبتها في شن الحرب على العراق . ولعل أهم الأخطار التي يتعرض لها العالم هو أن أية دولة يمكن أن تستخدم القوة دون الحاجة إلى موافقة عالمية أو تبرير وبشكل غير مشروع طالما أن الولايات المتحدة قد استخدمت القوة لشن الحرب ضد العراق . لقد وجهت أمريكا ضربة شديدة للنظام العالمي ، واحتقرت هذا النظام ولم تهتم بالقانون الدولي هكذا صور فوكوياما أخطاء أمريكا الأربعة التي جعلته يتراجع عن نظريته التي نشرها في بداية التسعينات متأثراً بانهيار الاتحاد السوفيتي وحرب الخليج الثانية . وكان فوكوياما قد كتب هذا المقال الذي أعلن فيه تراجعه عن نظرية نهاية التاريخ عام 2007 ، ترى ماذا يمكن أن يقول فوكوياما الآن بعد أن تعرض العالم لأزمة اقتصادية تهدد بانهيار الكثير من الدول . ومن المؤكد أن أحد أهم أسباب هذه الأزمة ممارسة أمريكا للقوة وقيامها بشن الحرب على أفغانستان والعراق حيث أنفقت أمريكا أكثر من تريليون دولار ... ومازال الاحتلال مستمراً ، وأمريكا تحتاج إلى إنفاق مستمر على جيشها الذي لا يمكن أن يحقق نصراً . ومالم يتوقعه فوكوياما هو أن الأزمة الاقتصادية سوف تزيد عدد الفقراء في كل أنحاء العالم ، وقد لا يجد هؤلاء الفقراء أمامهم سوى أن يقلدوا االتنظيمات العنكبوتية التي واجهتها أمريكا في العراق وأفغانستان ... ولن تجدي القوة التقليدية في مواجهة هذة التنظيمات التي يمكن أن تنتشر عبر العالم ، وتهدد الرأسمالية العالمية التي تصور فوكوياما أنها قد حققت انتصاراً تاريخياً ... وأن هذا النصر الرأسمالي هو نهاية التاريخ . إن القوة التقليدية الأمريكية نجحت في احتلال العراق وأفغانستان ، ويمكن أن تنجح في تقويض النظم في دول قومية ، لكن هذه القوة أعجز من أن تحقق للولايات المتحدة أمناً أو نصراً ، وكل ما يمكن أن تحققه هو أزمة اقتصادية عالمية وتزيد العداء لأمريكا .