10 سبتمبر 2025
تسجيليطمئن البال عندما يُدرك أن الخير والشر صنوان لا يفترقان في دخيلة النفوس البشرية، وأن هناك دائماً من سيغلب خيره شرّه أو شرّه خيره. لذلك فالأسلم والأكمل والأسمى أن يعمل المرء الخير ولو ظن أنه في غير موضعه إن أراد ذلك، وأن لا يمنعه أن من سيُحسن إليه سيغدر به يوماً بشره أو.. بجحوده وإنكاره ! ذلك لأن عمل الخير هو خيرٌ مُطلق في حد ذاته، لا يضرّه من اعترف به، ولا يُنقصه من جحد به ! فليس أرقى من خيرٍ يُقدّم بنية أشرف، لوجه الله لا يُراد بها جزاءً ولا شكوراً.. وما أعظم الإدراك الحق أن كل معروفٍ سيُجزى به فاعله، لأن من يفعل الخير لن يُعدم جوازيه حتماً ! وما أسمى الشعور أن يعي المرء أن كل ما يقدمه من خيرٍ فهو في حقيقة الأمر لنفسه قبل كل أحد !! فإن أحسن فهو إنما يُحسن لنفسه، وإن أساء فعليها. فليس الاستكثار من الخير بمذموم إن صدر من ذاك المقام العلّي من النوايا. وليس العطاء المبذول بمستخسر إن أُعطي بإدراك يعي ما تقدّم.. وليس في المقابل المنع من العطاء خوفاً من شر من أحسنت إليه إلا مجرد قرار لا مذمة فيه، ومرحلة وعي لصاحبها تُحترم، ومساحة إدراك وشعور تُقدّر، فليس الكل قادرا على إتيان ذلك الإحسان، أو تحمّل ذلك النكران. لذا فمن الأنبل أن يكون كل عطاء هو قرار واع على بيّنة، ونيّة عازمة لا شائب فيها على الإحسان الصادق، وكلٌ على حسب وعائه يعطي ويفيض. والأهم أن يتذكر المرء أن كل ما كان لله وفي الله فإنه يُبارك وينمو. وأن كل ما مُنح وبتواضع يُدرك من خلاله وأن كل ما سيمنحه هو من فضل الله عليه أصلاً، وأنه مجرد قناة تمرير للخير لغيره. وأنه كلما تواضع الإنسان وعرف أنه مسخر ومسخرٌ له، فهو قد يكون الأشد احتياجاً والأكثر افتقاراً من الممنوح له لهذه البركة الإلهية، فليس المانح بأقل حاجةٍ للخير من الممنوح له! لحظة إدراك: من الإحسان الممدوح أن يُدرك المرء أنه في حالة تخيير، لذلك فإن أحسن لغيره فليوّطن النية أن هذا الإحسان لله الذي لن يضيع أجر المحسنين، وأن لا يتوقع خيراً ولا شراً من أحد أحسن إليه. وإن أدرك في خبيئة نفسه أنه لا يحتمل نكران الجميل، أو انعدام الشكر فله كل الحق في أن يكف عطاءه، فليس الجميع بقادرٍ على التسامي في مراتب الإحسان، وليس ذلك منقصة فيه وإنما مراتب لم يبلغها بعد ربما لا يعنيه أن يشدّ الرحال إليها.