21 سبتمبر 2025

تسجيل

صفقة رابح-رابح لأمريكا وإيران والمنطقة.. بوساطة قطرية

24 سبتمبر 2023

أكرر في محاضراتي وكتاباتي ومقالاتي أهمية دور دبلوماسية الوساطة بقيادة وسيط مقبول ومطلوب دوره، بلا أجندة وأهداف مبيّتة- ويحظى برضا وقبول الأطراف المتنازعة لتقريب وجهات النظر وجسر الخلافات- والعمل بصمت وسرية وهي من شروط نجاح الوساطة لحل الخلافات. وهذا ما برعت به دول وأطراف محدودة العدد، ليس بينها دول صغيرة. لكن الكويت أتقنت دبلوماسية الوساطة، وآخرها في الأزمة الخليجية، وتتميز دولة قطر اليوم. كتبت مقالاً «قوة قطر الناعمة تعزز دبلوماسية حل النزاعات»- في زاويتي البوصلة قبل حوالي الشهر-وذلك بعد الكشف عن نجاح وساطة صفقة قطر بتبادل سجناء إيرانيين وأمريكيين والإفراج عن أرصدة إيرانية مجمدة: «حققت قطر إنجازات غير مسبوقة في تفعيل دبلوماسية الوساطات لحل النزاعات الإقليمية. نجحت وساطات قطر، بكونها من الدول القلائل التي نسجت شبكة علاقات وثيقة مع شتى الخصوم في المنطقة. بين إيران وأمريكا، وبين أمريكا وطالبان، وفصائل دارفور المتصارعة في السودان، وبين الفرقاء المتناحرين في لبنان. كما تزود قطر قطاع غزة بدفعات شهرية لدفع الرواتب وتوفير الفيول للكهرباء. ما منح قطر قدرة التوسط لوقف عدوان إسرائيل. نجاح وساطة دولة قطر بصفقة مقايضة 5 سجناء أمريكيين من أصول إيرانية في إيران و5 سجناء إيرانيين في أمريكا مدانين بخرق العقوبات على إيران، والإفراج عن مليارات الدولارات المجمدة من أرصدة إيران في كوريا الجنوبية والعراق مؤخراً، يضاف لإنجازات وساطاتها الناجحة، وكسب ثقة أمريكا وإيران، كوسيط مقبول ويشرف على انفاق 6 مليارات الدولارات الإيرانية المفرج عنها على عقود الغذاء والدواء والمعدات الطبية، بما لا يخالف قائمة العقوبات الأمريكية. ويُحظر انفاقها على صفقات تتعارض مع العقوبات الأميركية على إيران وفي تمويل حلفاء وأنشطة إيران في المنطقة وخارجها. وأؤكد اليوم بعد اكتمال ونجاح الصفقة الأكبر بين الولايات المتحدة وإيران واتمام تبادل السجناء وايداع الأرصدة الإيرانية في بنوك قطر الأسبوع الماضي، بإطلاق سراح السجناء من الطرفين وعودتهم إلى بلادهم عبر قطر. وكان السجناء الإيرانيون أدينوا بمخالفة قوانين خرق العقوبات المفروضة على إيران. وقرر اثنان منهم البقاء في أمريكا واثنان قرروا التوجه لدولة ثالثة. وتم الإفراج عن 6 مليارات دولار أمريكي من الأرصدة الإيرانية المجمدة في مصارف كوريا الجنوبية من بيع النفط الإيراني-بسبب العقوبات التي فرضتها إدارة الرئيس دونالد ترامب على إيران بعد الانسحاب من الاتفاق النووي عام 2018. والسؤال ماذا يترتب من أبعاد ونتائج بعد نجاح الصفقة. وهل ستعزز الصفقة خطوات بناء الثقة بين الطرفين الأمريكي-والإيراني باستمرار الوساطة القطرية بعد ثماني جولات سرية من المفاوضات بتأسيس أرضية لتحقيق اختراق آخر لا يقل أهمية بل قد يكون أكثر أهمية في ملف مفاوضات الاتفاق النووي المتعثر والمجمد منذ عام 2018؟ خاصة بعدما ثمّن الرئيس بايدن «الجهود التي ساعدت بتسهيل اتفاق تبادل السجناء بين الولايات المتحدة وإيران. (قطر وسلطنة عمان وسويسرا). وشكر وزير الخارجية بلينكن أمير قطر والمسؤولين القطريين لمساعدتهم على التوصل للاتفاق. حققت الصفقة اختراقا كبيرا وشكلت مكاسب لجميع الأطراف المعنية. بالنسبة للولايات المتحدة أوفى الرئيس بايدن بوعوده كمرشح ورئيس بالعمل على اطلاق سراح معتقلين أمريكيين في إيران وقبلها في روسيا، محتجزين بلا مبرر وتعسفياً. وأكد وزير الخارجية بلينكين أن إدارة بايدن نجحت بإطلاق سراح وإعادة 30 سجينا أمريكيا كانوا محتجزين ظلماً في الخارج. وهذا مكسب مهم لإدارة الرئيس بايدن لا شك سيستثمره في حملته الانتخابية لرئاسة ثانية يحضر لها ويتصرف كرئيس ومرشح معاً، في انتخابات العام القادم. ويثبت من خلال إعلانات مدفوعة الثمن وفي مناظرات، تبدو ستكون بينه وبين منافسه الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترامب، أنه زعيم يعتمد عليه- ويفي بوعوده. سارع الجمهوريون في الكونغرس الأمريكي والمرشحون الجمهوريون للرئاسة بانتقاد صفقة بايدن مع إيران-ووصفوها مع معلقين محافظين بـ «الفدية» التي ستنفق على دعم الإرهاب وأذرع إيران في المنطقة. وستشجع الصفقة إيران ووكلاءها باحتجاز المزيد من السجناء والرهائن. لكن هذا تضليل، الأموال والأرصدة ليست فدية، بل أموال إيرانية مجمدة ومستحقة ثمن للنفط والغاز الإيراني. كما أن العقوبات الأمريكية ستبقى مسلطة على إيران وخاصة المتعلقة ببرنامج إيران النووي، والحظر النفطي، وحقوق الإنسان. حققت الصفقة انتصارا ومكسبا كبيرا لإيران لكسر عزلتها وحصارها. وضخت 6 مليارات دولار من أرصدتها المجمدة بأمس الحاجة لها. خاصة أن الاقتصاد الإيراني يعاني من انكماش وارتفاع نسبة التضخم 40% ونسبة البطالة وتراجع قيمة القوة الشرائية للريال الإيراني. ويتزامن نجاح الصفقة والحصول على الأرصدة المالية مع الذكرى السنوية الأولى لمقتل مهسا أميني على يد شرطة الأخلاق في طهران، التي فجرت مظاهرات واحتجاجات هي الأكبر في معظم مدن إيران. فأتت الصفقة وضخ الأرصدة المالية في الاقتصاد الإيراني كطوق نجاة للنظام الإيراني. النجاح الثالث في الصفقة يُنسب لنجاح رصيد دبلوماسية وساطة دولة قطر. وانتزاع ثقة الطرفين الأمريكي والإيراني وقبله بين الولايات المتحدة وطالبان بوساطة قطرية ناجحة- وتمثيل المصالح الأمريكية في كابول. هذا يعزز دور ومكانة قطر التي حققتها في كثير من الملفات ويعمق دورها وسيطاً نزيهاً ومحايداً ومطلوباً للتوسط بين الأطراف المتنازعة لحل الخلافات. كما أن دولة قطر باتت مؤهلة اليوم بتفعيل وساطتها بعد كسب ثقة الطرفين الأمريكي-والإيراني، بعد تأسيس الصفقة أرضية مقبولة تعزز الثقة بين الطرفين للمضي في مفاوضات الاتفاق النووي المعطلة منذ أكثر من عام. هناك تفاؤل اليوم، من جميع الأطراف بأن يفضي الاتفاق النووي، إلى تفاهمات تقود لخفض التصعيد في اليمن والعراق وسوريا ولبنان. وهذا انتصار ومكسب للجميع، يعزز الاستقرار في منطقة الخليج العربي والمنطقة ككل.