14 سبتمبر 2025

تسجيل

لم يكن غيمة فأتخذه شتائي

24 سبتمبر 2013

وقال: "أضئنا؛ ها ترى النصوص تتفاقم عن ليلٍ وركوة ودم، جمّع من النجم ما يكفي لنار، وانثر من الورد ما يكفي لمذبحة، سيذكرنا قومنا إذا جدّ جدّهم، تقدّم؛ فكما تراني أجهش بكم، القمصان في يدي بيضاء، والوعد على مقبض سيف، تعال؛ وشاركني مقامي، لك منا ما للأماني، ولنا منك ما تنتج الغيوم في الربيع". ثمّ حطّت يده على كتفي، ونظر في البعيد، وبعثر النار الواهنة في موقد الصمت، وكتب في الفضاء بخطٍ واضح استعاره من جمرةٍ في طرف عود، كتب: " بلادي" وأثث ما بيننا بحزن دامع، حتى سوّلت لي نفسي أن أسأل، والمقام عزيز، وفاض الصمت، حتى إن الجمر سال، والموقد استحال أخضر. وقال: "إذا كلمتك المراثي، وعاتبتك في الدار والأرواح، فاصطبر، فما المراثي إلا نداء قنوط، احبس بكاءك عن الأهل والدار، البكاء نزوة الحزن في غفلة عن العابر، خذ من الأمل ما يوقظ مدينة، ومن الحزن ما يشيّع صاحباً، المراثي تكاءة العاجز، وبشارة النادب". كان غيمة، قيل لم يكن، وكان قمراً وشاهدته مرتين، يوم ودعت طفولتي ذات يوم، وها أراه اليوم، وقيل بل شاهدته دائماً، وراء كلّ محنة، يشدّ إزارك، ويمنحك بعض الأمل وكثيراً من الحزن. لعلي اليوم أضيء، فأكتب وأكتب، عن الشجر الذي ذوى، وعن البراعم التي سقطت، عن أكسير الموت الأصفر، ودرب الشهداء المعبّد في الشمال من الوجع، لعلي أضيء إن أجّلت دمعتين لأمنح طفلي ضحكة مزورة، أو ضحكة من القلب، لعلي أكتب مثلاً:" لي بلادٌ لست فيها / كي أسميها بلادي. لي بلادٌ من ترابٍ ومطر/ وجنونٍ يرتدي الرعدَ إذا جاء الشتاء / وعصافيرَ وخبزٍ وقمر/ وأكفٍّ لوّحت لي / لي بلادٌ مشتهاةٌ / كلّما أزهر حزنٌ.. فوق شرفتها.. أنادي / يا بلادي. أتناسى أنها ليست بلادي / أخطف الياء من الصفّ.. وأدنيها قليلاً / ثم أقرؤها..بلادي". كان يهزّ رأسه، فيمطر، ولم يكن غيمة فأتخذه شتائي، وكان على بعد قمرٍ من ليل الفتنة، ثم إن القبائل ائتزرت بالدم، فما عدت أرى منه إلاّ قوساً بعيداً يذوب في الظلمات، وبقية من صوته ليست صدى وليست صوتاً: " جمّع من النجم ما يكفي لنار"، وكان الشهداء يصعدون، حتى امتلأت السماء بالنجوم، وسمعت صوته من بعيد:" هذه مأدبة السوريين"، وكدت أن أقول بخٍ بخٍ. وتمثلت: " سأل الناس المغنّي/ بعدما اختار السكوت/ كيف أغمضت عن الموتى ولم تنبس بلحنِ/ يا شقي الحرف ها نحن نموت". ثم كان ليل.