11 سبتمبر 2025
تسجيللم يكن من المستغرب على الإطلاق السيطرة السريعة جدا لطالبان على كابول ثم العودة لحكم أفغانستان منذ إعلان بايدن الانسحاب المبكر الكامل غير المشروط من أفغانستان، بل يمكن الجزم أيضا أن الولايات المتحدة كانت على يقين تماما بعودة طالبان السريعة للحكم وصعوبة صمود الجيش الأفغاني الذي صرفت عليه المليارات أمام طالبان القوية جدا على الأرض والمسيطرة على مناطق أفغانية كثيرة إبان وجود القوات الأمريكية. إذن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هل عودة طالبان لحكم أفغانستان يعني عودة أفغانستان لما قبل 2001؟. أي عودة لتطبيق متطرف للغاية للحكم الإسلامي بعيدا تماما عن تعاليم الإسلام الوسطية السمحة أرجع أفغانستان إلى ما قبل العصور الوسطى، ودعم وإيواء للتنظيمات المسلحة وخاصة القاعدة، وأخيرا حروب داخلية طاحنة بين الفصائل الإسلامية. منذ سيطرتها على كابول، أطلق قادة طالبان وخاصة متحدثها الرسمي "ظبى الله مجاهد" جملة تصريحات تطمينية مؤداها وجود تغير جذري في فكر وأسلوب طالبان في حكم وإدارة البلاد. إذ من التصريحات الهامة في هذا الصدد هو العمل على مشاركة جميع الفصائل الأفغانية في إدارة البلاد وعدم انفراد طالبان بالسلطة، السماح للمرأة بالمشاركة في الحياة السياسية والسماح بتعليم المرأة وتخفيف القيود المتعلقة بتطبيق الشريعة الإسلامية. فمن منظورنا أن تلك التصريحات تعمدت بها طالبان تهدئة مخاوف المجتمع الدولي حتى تستكمل سيطرتها على حكم أفغانستان بهدوء وتلقى بعض الدعم الدولي، ولم تكن موجها للشعب الأفغاني. وللتذكرة أيضا لم تفِ طالبان بأية وعود قطعتها على نفسها أثناء مفاوضاتها مع الولايات المتحدة من أجل الانسحاب. والأهم من ذلك، تعتبر طالبان الانسحاب الأمريكي من أفغانستان انتصارا للحركة. إذن، لا نتوقع مع الهيمنة التامة لطالبان على السلطة حدوث تغير جذري في إدارتها للحكم، لا سيما حدوث أي تغير في مسألة الحكم الإسلامي المتشدد للغاية لأن قادة الحركة وأنصارها لا يزالون يحملون الفكر المتشدد ويطبقونه في المناطق التي تخضع لسيطرتهم. وبناء على ذلك أيضا، فإن استمرار طالبان في دعم وإيواء الحركات الجهادية الكثيرة جدا العاملة في أفغانستان وخاصة تنظيم القاعدة أمر مؤكد بلا أدنى مجال للشك. على الرغم من الوعود التي قطعتها طالبان على نفسها بعدم السماح باستخدام أفغانستان لشن هجمات مسلحة خاصة من قبل القاعدة، وكذلك تعهدها بعدم السماح بتحويل أفغانستان لمراكز تدريب وإيواء للتنظيمات الجهادية. وفي تلك المسألة على وجه الخصوص، يمكن القول إنه بخلاف الدعم المتوقع لطالبان لتلك التنظيمات الجهادية هنالك واقع آخر أن تلك التنظيمات وخاصة القاعدة قوية ومسيطرة جدا على الأرض أو في مناطق أفغانية كثيرة ولها أتباع بالمئات. وبالتالي، ستواجه طالبان صعوبة بالغة للغاية في السيطرة على تلك التنظيمات. يبقى في هذا الصدد الإشكالية الكبرى المدمرة لأفغانستان وشعبها تماما، وهي ربما العودة المخيفة للحروب الأهلية الداخلية في أفغانستان تحت حكم طالبان. إذ يمكن القول إن سيطرة تامة قوية لطالبان على حكم أفغانستان لا يعنى حكم مستقر لها ولأفغانستان. فقادة طالبان أنفسهم بينهم انقسامات حول أسلوب وإدارة البلاد تحت الحكم الإسلامي. كما أن طالبان لديها خصوم كثيرون أقوياء على الأرض من بينها حركات جهادية وأمراء حرب إلى جانب خصومها من الأقليات العرقية الأخرى كالطاجيك والأوزبك. بل والأخطر من ذلك أيضا، أن بين الحركات الجهادية العاملة في أفغانستان انقسامات وخلافات حادة ورواسب عدائية قديمة تنذر بصراعات مسلحة طاحنة بينهما. ويجدر الإشارة أيضا أن التناحر والصراع بين الحركات الجهادية المتشددة سمة ثابتة لتلك الحركات والشاهد على ذلك الصراع بين القاعدة وداعش والنصرة في سوريا. وبناء على ذلك، لن يكن بمقدور طالبان الحيلولة دون حروب داخلية طاحنة في أفغانستان فحسب، بل أيضا ستكون الحركة شريكاً رئيسياً في هذه الحروب، بحيث لن تتحول أفغانستان إلى دولة فاشلة بالمعنى المتعارف عليه في العلوم السياسية، بل إلى "اللا دولة" على الإطلاق وساحة لحروب داخلية طاحنة غير معلوم مستقبلها. يبقى أخيرا الإشارة إلى أن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان سيحول أفغانستان إلى ساحة لصراعات إقليمية، مما يضيف من عوامل عدم الاستقرار إلى مستقبل أفغانستان. إذ من المتوقع أن تستخدم باكستان أفغانستان عبر حلفائها من التنظيمات الجهادية وخاصة شبكة حقاني لمهاجمة الهند. ومن ناحية أخرى، فالصين على وجه الخصوص تخشى مع عودة طالبان أن تتحول المناطق الحدودية الأفغانية المجاورة لها إلى قاعدة لمهاجمة الصين وضرب مصالحها على خلفية قضية اضطهاد الإيغور. ولدى روسيا مخاوف أيضا من عودة طالبان للحكم وتتركز من دعم طالبان للتنظيمات الجهادية المناوئة لروسيا في آسيا الوسطى. وفي الختام أن أفغانستان تحت حكم طالبان فأتوقع أن تعود إلى ما قبل 2001 يضاف إلى ذلك عامل البعد الإقليمي ومحاولة سيطرة القوى الكبرى المجاورة لأفغانستان عليها مما يزيد من عوامل عدم الاستقرار لمستقبل أفغانستان. أما بخصوص الولايات المتحدة، فلا نتوقع أية ردود فعل على ما سيؤول إليه الوضع المستقبلي في أفغانستان لأنها تركت أفغانستان ومتيقنة تماما لهذا المستقبل للتفرغ لأولوياتها القصوى وهي إضعاف الصعود الصيني.