13 سبتمبر 2025
تسجيلترتفع الأصوات هنا وهناك بالمطالبة بالحريات في إعطاء المساحات للفرد للتعبير عن رأيه وممارسة حرياته، ولا تعدو الحرية بمفهومها البسيط الذي يتداوله العامة هي المطمع الذي نرجوه وحسب، فقبل أن نجاهر بالصوت لهذا المطلب علينا أن نفهم ما هي الحرية بمفهومها العميق. الحرية لا تقتصر فقط على حرية التعبير، بل يجب أن يجملها الفعل في الطرح وتقبل الآخر، لنتفق أنه لا يوجد حرية مطلقة فحريتك تنتهي عند حدود حرية الآخرين، والحرية مقيدة بحدود العقل والمنطق وخاصة في ممارستنا للحرية كشعوب مسلمة عربية تسمو بدينها وتفتخر بقيمها أخلاقها وموروثاتها الأصيلة التي نشأت عليها والتي يحاول المناوئون القضاء عليها من خلال شعارات الحرية المطلقة التي يبثون سمومها من خلال شعارتهم الزائفة وقضاياهم الملفقة. وعندما ترتفع أصوات الأنا مطالبة بالحرية يضعف صوت الآخر، فأعمق معاني الحرية في ممارسة احترام حرية الآخر واحترام الاختلاف معه وفي هذا تتجلى الحرية في أبهى صورها، فلا تطويع لمفهوم الحرية لخدمة المصالح والأهواء وفرض المعتقدات الشخصية على الآخرين، فأين الحرية إذا لم أصادقها بالفعل؟! أين الحرية إذا كنت في الصباح وفي طريقي للعمل أزاحم هذا وذاك وأعتدي على حقه في الطريق بشكل بعيد عن الحضارة وعن مفهوم الحرية الذي أطالب به في مجلسي في المساء؟! أين الحرية التي نتشدق بها ونحن لا نحترم حق الآخر في طابور السوبر ماركت أو آلة السحب النقدي؟! أين الحرية ونحن نوقف المركبة بطريقة عشوائية أمام المحلات أو في المواقف العامة فنحرم الآخر حقه في الموقف أو في المرور؟! أين الحرية عندما نترك عربة البيع بطريقة عشوائية في المواقف فنضيق على الآخرين مواقف مركباتهم؟! أين الحرية في التسابق للحصول على المناصب والمكافآت بطرق ملتوية دون وجه حق بينما يستحقها آخر يؤثر الصمت؟! أين الحرية وأنت تشتم هذا وتجرح ذاك وتقسو وتحقد وتستحقر وتفرق في المعاملة بين من وما تحبه نفسك ومن وما لا تحبه وتزدريه؟!. ولا أعتقد أن وجود منصات التواصل الاجتماعي تمنح الحق بانتهاك حريات الآخرين والتعدي عليهم وتجريحهم تحت غطاء الحرية الشخصية، فالحرية سلوك وأخلاق ومبادئ لا تتبدل ولا تتغير باختلاف الزمان والمكان فهي كما توفر لنا الفرصة في سهولة وتسريع التواصل بالآخر إلا أنها تضع مسؤولية كبيرة على عواتقنا في انتقاء ماذا وكيف نعبر عن آرائنا وهنا تتمظهر القدرة في الممارسة الصحيحة للحرية في التعبير بالرأي وطرح الأفكار. أرى أن الحرية هي الارتقاء بالنفس عما يدنسها ويحط من شأنها فيخضعك لسيطرتها ويستعبدك لتنفيذ أهوائها، الحرية هي التحرر من كل معتقد أو فكر أو سلوك يقبض على روحك فتتراخى له وتستسلم لهيمنته ونفوذه، فمتى تمكن منك أصبحت ذليلاً صاغراً مستعبداً. نحن بفضل الله أمة مسلمة عرفت الحرية منذ فجر الإسلام ونحن أحرار بعقيدتنا وإسلامنا وكتابنا قبل أي شيء، فكيف لنا أن نشعر بالنقص تجاه الحرية ونحن نعيشها من خلال هذا الدين العظيم فكلما ازددنا قرباً من هذا الدين زادت حريتنا وعظمت، والعكس في هذا صحيح، كلما زادت الفجوة بينك وبين هذا الدين زاد تحجر العقل وفساد القلب، إذ إن خطاب القرآن لنا دائماً بالتفكر والتبصر والنظر بالعقل والقلب معاً، وإنما يذهب البعض خلاف ذلك فينزلق في زنازين العقول وأغلالها الصلدة، وترين القلوب فتخسر حريتها ونقاء سريرتها. إن مفهوم الحرية أعمق وأشمل من مجرد التعبير عن الرأي الذي وإن غصت في بواعثه وجدت الأنا والمصالح الشخصية تجثو على صدره، وهذا والله أبعد ما يكون عن الحرية التي قدرها الله لعباده ورفعهم بها وفضلهم عن سائر مخلوقاته فاستأثرهم بخلافته في هذه الأرض تكريماً وتشريفاً. يا أيها الناس لا تغرنكم الحياة الدنيا فتلهثون خلفها خاضعين خانعين، فهنا التحدي الأعظم والمحك الفارق بين عبوديتك لنفسك وإرخاء لجامها للدنيا تعبث بها وتفعل بها ما تشاء، وبين حريتك في فرض سيادتك عليها ولجم شهواتها ورغباتها التي في الغالب تتجاوزك لتشمل الآخرين فتتعدى عليهم وعلى حرياتهم التي اشتركوا معك في استحقاقها وممارستها بالتي هي أحسن وأجمل وأرفق. [email protected]