26 أكتوبر 2025
تسجيلاحتفت القصيدة الجديدة بالأب في إنتاج قيمة اليُتم والحرمان وأثرهما في الحياة المعاصرة، في ظروف التحول الاجتماعي والثقافي الجديدة، حيث تضاءل التضامن الاجتماعي من دائرته الأوسع (القبيلة) التي قضمت من وظائفها الدولة الحديثة، إلى الأسرة، ولهذا تعاظم أثر الفقد، وهذا ما نراه في غير أثر أدبي، حيث يظهر الأب في صورة المنكسر المهدود المحطّم وقد فقد أولاده، في موسم الهجرة من البلدان الطاردة لأبنائها، الأب الذي صوّره اللبناني جوزيف حرب في أخرياته ينتظر المكاتيب والصور: " أرسلت يوماً صورةً لأبي/ وكنت مسافراً / مرآة ذاكرتي التي حملت أبي/ لا فضة فيها.. ومكسورة/ وأبي لكثرة ما بكى/ شحّت به عيناه حتى صارتا/ بابين في علّيّةٍ/ مسقوفة بالعشب مهجورة/ فتح الغلاف/ وأطبق الأجفان فوق دموعه/ ولكي يراني مزّق الصورة".الأب الذي ثبت مخيلته على صورة الشاب، فلا يتصوّر ابنه يكبر، ويؤكد ذلك التونسي محي الدين خريّف وهو يقرأ عوالم رحيل الشباب إلى البلاد الباردة لكسب العيش: " لِتَمْتَلِىء المدن الصاخبة/ وتنتحبُ القرية الشاحبة/ ويبقى أبي يستحثُّ الخيال/ ويرسم حيرته في الرمال". وفي صورة مفارقة يبدو الأب المستحضر أمام سطوة اليتم، الأب القويّ الحامي المفقود كما عند صلاح عبد الصبور: " جنت الريح على نافذتي/ وفي مسائي / فتذكرت أبي / وشكت أمي من علتها/ ذات فجر ، فتذكرت أبي / عض الكلب أخي ... / وهو في الحقل يقود الماشية/ فبكينا / حين نادى / يا أبي !!! ".على أن الحضور المتعافي للأب يظهر في حوارية الأب والابن عند درويش في "لماذا تركت الحصان وحيداً" وهو يعيد رسم الأمل في الرحلة الفلسطينية بعد منعطف اتفاقية السلام المخيّبة :"تفتح الأبدية أبوابها من بعيدٍ/ لسيارة الليل/ تعوي ذئاب البراري على قمر خائف/ ويقول أب لابنه: كن قوياً كجدّك!/ واصعد معي تلة السنديان الأخيرة/ يا ابني، تذكّر: هنا وقع الانكشاريّ عن بغلة الحرب/ فاصمد معي لنعودَ/ متى يا أبي ؟ ـ غداً. ربما بعد يومين يا ابني!".