18 سبتمبر 2025

تسجيل

عولمة رياضية

24 يونيو 2014

ظهرت آثار العولمة في كأس العالم الأخيرة، حيث شهدنا زعزعة واضحة لمفهوم الدولة الوطنية ابنة الحداثة الأوروبية، والتي قامت على أشلاء الإمبراطوريات الكبرى، فقد استكملت الدولة الجديدة مسوغات قيامها على أساس اللغة أو الأرض، ووجدت في تاريخها أحداثاً وروايات تبني عليها نشيدها الوطني، ورايتها الخفاقة الملوّنة، وثقافة جديدة تلوّن السور الجديد. ومن هذا الباب جاءت فكرة (المنتخب) في بدايات القرن العشرين وهو من مكمّلات الوجه المعبّر عن قوة الدولة ورقيّها، منذ أولمبياد أثينا 1896 وكأس العالم لكرة القدم، ورغم مرور العالم بحربين عالميتين تغيرت فيها الخريطة كثيراً، فماتت دول وولدت دول، إلا أن مفهوم الدولة الوطنية تعزّز أكثر، وباتت كرة القدم اللغة المشتركة لكل دول العالم، فقد انتسبت دول العالم إلى أهمّ تجمع دوليّ مؤثر وصارم ومخيف. ومن جهة أخرى فقد اختزلت المباريات الرسمية الحروب القديمة وتفاعل معها الجمهور على هذا الأساس. فالدولة الوطنية التي تخفّفت من أعباء الحروب في النصف الثاني من القرن العشرين بعد الاستقطاب العالمي الحاد بين الشرق والغرب. وكان الفريق القومي محلّ اهتمام، فالمدرّب يجب أن يكون من الدولة ذاتها، واللاعبون يجب أن يأتوا من الدولة ذاتها، ويجب أن ينشد الجميع نشيد الدولة الحديثة مع الجمهور لرفع منسوب الشعور الوطني عند الجميع. وكانت الإنجازات الرياضية تماثل الإنجازات العسكرية وقد تفوق الإنجازات العلمية في أثرها وخاصة في دول العالم الثالث، فما زال الجزائريون يتذكرون فريقهم الذي تشكّل رغم الاحتلال بقيادة أحمد بن بيلا الذي صار زعيما سياسياً مثلاً.جاءت العولمة تتويجاً لتسارع كبير في تطور تقنيات التكنولوجيا، ولتداعي النظام الاقتصادي والسياسي في العالم كله، فالكتلة الاشتراكية انهارت في العشرية الأخيرة من القرن العشرين، والكساد ضرب العالم الغربي ولم يتعافَ منه إلا بعد سنوات. جاءت العولمة التي عدّت العالم قرية صغيرة، يمكن لحركة المال والبضائع والأفكار أن تنتقل بين أنحائه بسرعة لافتة.وفي السنوات الأخيرة تزايد الاهتمام بفرق أشبه بشركات رياضية عابرة للقارات، فأندية مانشتسر يونايتد وبرشلونة وريال مدريد تمتلك قواعد بشرية ومدارس لتعليم الكرة للصغار، ولاعبين من مختلف أنحاء العالم وتتعاون مع جهات راعية وشركات للدعاية، فالانتماء والتعصب لريال مدريد مثلاً لم يعد حكراً على سكان حيّ في مدريد أو مشجعين من إسبانيا أو الدول التي تتحدث الإسبانية، وفي إمكان المتابع أن يشاهد قميص الريال التقليدي الأبيض يرتديه مراهقو أي مدينة في آسيا أو إفريقيا. باتت فرق الدوري في دول العالم أهم بكثير من منتخبات بلادها بعد الاهتمام الكبير في السنوات الأخيرة، وهذا ما يفسّر تهاون لاعبي الكاميرون في أدائهم رغم أنهم ليسوا مبتدئين، وبات واضحاً في أداء المنتخب الإسباني، فلاعبو الريال مثلاً لعبوا بحماسة 95 دقيقة في نهائي أبطال أوروبا ليحققوا الهدف الذي قاد إلى الفوز، بينما يلعبون دون اهتمام مع منتحب بلادهم.بدأت تباشير العولمة رياضياً، فقد خفت الحماسة القديمة التي تغذي الجماهير بالأدرينالين القومي مع مشاهدة الفريق الوطني في الحروب الرياضية المقدّسة.