11 سبتمبر 2025
تسجيلالإسلام ثروة معرفية يمكن أن نستخدمها لبناء نظام يحقق الحرية والعدالة نحن نمتلك أعظم ثروة فكرية وثقافية وحضارية ومعرفية "هي الإسلام"، لكن الاستبداد حرمنا من الاستفادة منها ومن توظيفها لتحقيق النهضة والديمقراطية والتقدم. وهناك مجموعة من المتغربين الذين يدعون أنهم مثقفون يريدون الآن أن يزيفوا وعينا ليمنعونا من بناء نهضتنا بالإسلام. وهم يستوردون المشكلات الغربية وحلولها، ونحن لا نحتاج للمشكلة ولا للحل، وأهم مثال على ذلك مفهوم الدولة الدينية، وهو مفهوم يثير الخوف. لذلك بنا العلمانيون حملتهم الإعلامية المكثفة على أساس التخويف من إمكانية إقامة دولة دينية في مصر، وهم يلتقطون أي كلمة يقولها أحد قادة الإخوان المسلمين ليثيروا الدنيا حول المخطط الذي تنفذه الجماعة لإقامة دولة دينية. لكن هذه الحملة تقوم على التزييف والتضليل وتثبت جهل العلمانيين بالإسلام وتبعيتهم للغرب ذلك أن مشكلة الدولة الدينية هي مشكلة غربية ترتبط بالتاريخ الأوروبي، ونظم الحكم التي توارثت تقاليد الإمبراطورية الرومانية. والذين ترجموا المصطلح استخدموا مفهوم الدولة الدينية لتحقيق أغراض الاستعمار البريطاني تحت تأثير اللورد كرومر، فشكل الدولة الذي وجد في أوروبا والذي أطلق عليه مصطلح الثيوقراطية لا يمكن وصفه بأنه دولة دينية، وإنما يمكن وصفه بأنه دولة لاهوتية كنسية مسيحية. هذا المصطلح ثيوقراطية ليس له معادل في الثقافة العربية، ولذلك فمن الأفضل عدم ترجمته والإبقاء على المصطلح الأصلي ثيوقراطية. وشكل الدولة الذي قام في أوروبا يقوم على التحالف بين الملك الذي يعتبر ظل الله على الأرض، وتعتبر قراراته وأوامره إلهية.. فهو إله يحكم بسلطات مطلقة، والكنيسة التي تحتكر المعرفة ولا تسمح لأحد بأن يعرف شيئاً أو يقرأ كتاباً لأن القسس فقط هم الذين يعرفون، وهم يقولون للناس كلاماً غامضاً يوحي بوجود أسرار لا ينبغي للإنسان العادي أن يعرفها، ولذلك فكل ما عليه هو أن يخضع ويستسلم للأوامر بلا مناقشة حتى لا يعتبر مجدفاً من وجهة نظر الكنيسة. ويقوم الملك بتوزيع أراضي الدولة على مجموعة من حاشيته يطلق عليهم النبلاء أو الإقطاع، وهم يملكون الأرض وما عليها من بشر، ويعتبر كل من يعيش على هذه الأرض خادماً للإقطاعي، لا يملك من أمر نفسه شيئاً فهو عبد للإقطاعي وللكنيسة وللملك وهو محروم من المعرفة، ولا يملك مالاً، ويقيم في كوخ حقير في حياة بائسة يحلم فقط بأن يذهب إلى السماء أو الجنة، لكن دخول الجنة مرهون بإرادة القسيس الذي يجب أن يدفع له ثمن صك الغفران، فإذا ما حصل عليه فإنه يستريح ويجلس في انتظار الموت حتى يقدم صكه على باب الجنة فيدخل دون حساب. لذلك ظهر في الثورة الفرنسية الشعار المشهور: اشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس. فلقد كان الناس يكرهون الملك والقساوسة والإقطاع. هذه هي مشكلة أوروبا التي ظهرت العلمانية لتحلها، وهذا الشكل لا يمكن أن يوصف بأنه دولة دينية. أما مصطلح العلمانية فإنه أيضاً ترجمة غير صحيحة، لعملية القضاء على الدولة الثيوقراطية الأوروبية. وهكذا استورد لنا المتغربون مشكلة ثم استوردوا لها حلاً، وجعلونا نعيش في خوف من مشكلة غير موجودة ونطبق حلاً يبدد ثروتنا ويحولنا إلى عبيد للاستعمار. وأنا أتحدى أي مؤرخ في العالم يثبت أن شكل الدولة الثيوقراطية قد ظهر في الإسلام أو أن التاريخ الإسلامي قد شهد حاكماً ادعى أنه مفوض من الله، أو أن أحداً احتكر المعرفة أو أنه يملك مفتاح الجنة يدخل فيها من يشاء أو إقطاعياً امتلك الأرض ومن عليها. الإسلام دين واضح وليس فيه أسرار، وكل إنسان يستطيع أن يتعلم فيصبح عالماً، وكل عالم في الإسلام يظل يرجو رحمة الله وغفرانه، ولم يعرف الإسلام أي إقطاعي طوال تاريخه، وفي أي أرض حكمها الإسلام والإسلام أيها السادة دين أقام حضارة وأنتج ثقافة، وأطلق طاقات الناس ليطوروا العلم والمعرفة وليعمروا الأرض وليحققوا النهضة. الإسلام يشكل لنا أعظم ثروة معرفية وثقافية يمكن أن تستخدمها الأمة لبناء نظام سياسي واقتصادي عالمي جديد يحقق الحرية والعدالة. وأهم ما يمكن أن يحققه لنا الإسلام هو الاستقلال الحضاري والثقافي الذي يحمي ويكفل الاستقلال السياسي والاقتصادي، ويمكن أن يقود الإسلام كفاحنا ضد الاحتلال والتبعية والفقر والاستبداد.