12 سبتمبر 2025
تسجيليمكن وصف نمط وشكل العلاقات بين الغرب (الولايات المتحدة، وأوروبا، وحلفائهم)، وبين الصين منذ عقد تقريبا، بأوصاف متعددة، كالتنافسية، أو العدائية، أو الصراعية. وعلى كل الأحوال فهي ليست طيبة أو جيدة، ومتوترة باستمرار. وذلك التنافس أو العداء قد يكون مفهوما، لأن الصين باتت تشكل تهديدا رئيسيا للقيادة العالمية لواشنطن، وتهديدا خطيرا أيضا للنموذج الغربي الليبرالي، وتهديداً خاصا لحلفاء واشنطن الآسيويين. وعلى إثر ذلك، فبجانب تحالفات تلك القوى المعادية للصين لتقويض صعودها وخطورتها؛ تتبنى تلك القوى سردية خاصة بشأن الصين. سعى الغرب بقيادة واشنطن منذ نهاية الحرب الباردة، إلى معاداة أي دولة مناهضة للنموذج أو الأفكار الغربية، وقد تباينت شدة العداء بحسب درجة مصالح الغرب مع تلك الدول، إذ ارتبطت واشنطن بعلاقات وثيقة مع دول شمولية في المنطقة وخارجها على خلفية مصالح حيوية لها مع تلك الدول. إذن نخلص أن الغرب يمارس معايير مزدوجة بشأن قيمه وأفكاره الليبرالية، وهذا يوحي أن الغرض الرئيسي هو الهيمنة والتحكم في الدول والشعوب. ناهيك عن ذلك، هو ضرب الغرب ذاته بهذه القيم عرض الحائط، لاسيما واشنطن، إثر الحروب غير العادلة وغير المشروعة الكثيرة التي خاضتها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. فضلا عن التضييق الذي يعاني منه المهاجرون والأقليات خاصة المسلمة في أوروبا. وعلى خلفية ذلك، بنى الغرب سردية حول الصين، تتمحور حول ثلاثة أركان رئيسية: الأولى، الصين القوة التعديلية التي تسعى لتغيير النظام الدولي بالعنف والإكراه والقوة العسكرية وبناء نظام دولي جديد تحت قيادتها، والاستيلاء على المصالح السيادية للدول الآسيوية. والثاني، الصين التي تقوم بتقوية اقتصادها بأساليب غير نزيهة وبسرقة التقنيات الغربية وبراءات الاختراع والممارسة التجارية غير العادلة. وأخيرا، الصين الوحش الشمولي المغلق ذو الحزب الواحد أكبر منتهك لحقوق الإنسان في العالم. وحقيقة الأمر، يشوب السردية الغربية حول الصين، الكثير من المغالطات. لا يمكن إنكار أن الصين تسعى جدياً للقيادة العالمية. ومع ذلك، عند عمل مقارنة بين مساعي بكين للهيمنة ومساعي الغرب القديمة للهيمنة، نلاحظ بونا شاسعا. إذ تسعى الصين للهيمنة من منطلق أو بأسلوب غير مسبوق لقوة صاعدة في التاريخ، يستند على الترويج لنموذج متعدد الأبعاد يعكس ماضي وحاضر الصين، بحيث يمزج بين تاريخ وحضارة وثقافة الصين السلمي التعاوني الرابط بين أواصر الحضارات القديمة، كما جسدتها "المملكة الوسطى" وطريق الحرير القديم. وحاضر الصين المعاصر من حيث الازدهار والتنمية الاقتصادية الهائلة، والابتعاد كليا عن العسكرة والتدخل في شئون الدول. إذ بينما يصف الغرب الصعود الصيني بالعنيف أو غير السلمي، لا تستحوذ الصين على قواعد عسكرية خارجية عدا واحدة في جيبوتي لأغراض لوجستية ولمكافحة الإرهاب والقرصنة. في حين تنتشر مئات القواعد العسكرية للغرب في جميع أنحاء العالم. تقدم الصين نموذجها الخاص في القيادة العالمية على أساس ما يسميه أتباع "الجرامشية" "الهيمنة الرضائية أو المقبولة". أي بتصدير نموذجها السلمي التعاوني التنموي، ستقبل الدول أو ترتضي طواعية القيادة الصينية، لأن تلك القيادة ستلبي طموحاتهم وتحترم سيادتهم ومصالحهم الحيوية. وتجسد مبادرة الحزام والطريق الأداة الرئيسية للقيادة الصينية ذلك بصورة كبيرة، إذ تجاوز أعضاؤها حتى كتابة هذه السطور 200 دولة من مختلف العالم وتشمل دولا غربية. انضمام هذا العدد الكبير من الدول للمبادرة، والعدد مرشح للزيادة الكبيرة، هو أبلغ رد على باقي السرديات الغربية حول الصين. فكثير من تلك الدول، انضمت للمبادرة لأجل المكاسب الاقتصادية والمالية والتكنولوجية الكبيرة التي تتحصل عليها من الصين. رغم عدم تبني الصين النموذج الغربي الديمقراطي. ومع ذلك، تشهد مستويات الرفاهية في الصين معدلات مرتفعة تفوق دولا غربية. وهذا يشير بوضوح أن النموذج الغربي ليس فقط هو الطريق الوحيد للتنمية والرفاهية والازدهار. ملخص القول أن تركيز الغرب الشديد على الترويج لسردية خاصة موجهة تحديدا تجاه الصين، وتضخيمها بشكل كبير، يوحي بأن الغرض يتجاوز مسألة الدفاع عن استمرار سمو النموذج الغربي وحقوق الإنسان والتجارة الدولية الحرة وغيرها. إذ إن الغرض الرئيسي هو إدامة الهيمنة الغربية، وتقويض أكبر تهديد لها.