03 نوفمبر 2025

تسجيل

تأملات في موازنة البحرين للعامين 2015 و 2016

24 مايو 2015

ليس من المستبعد عدم صمود واستدامة الإحصاءات المتعلقة للسنتين الماليتين 2015 و 2016 في البحرين بالنظر لمستوى العجز المتوقع. يقدر العجز بنحو 3.9 مليار دولار في عام 2015 مرتفعا إلى 4.1 مليار دولار في 2016 مقارنة مع عجز فعلي قدره 1.2 مليار دولار في عام 2014. يعتبر مستوى العجز المتوقع ضخما، حيث يمثل قرابة 41 بالمائة من إجمالي الإنفاق العام وأكثر من 12 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي الأمر الذي يشكل تحديا لا يمكن تركه دون معالجة. كما ينتهك العجز المتوقع أحد معايير مشروع الاتحاد النقدي الخليجي والذي يلزم بتقييد العجز عند حد 3 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي أي أقل بكثير من المستوى المتوقع للموازنة الجديدة. حقيقة القول، يعتبر الإنفاق الحكومي حيويا للرفاه الاقتصادي في البحرين كونه يشكل 30 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي وربما أكثر من ذلك عبر نفقات المؤسسات المرتبطة بالحكومة في مختلف القطاعات الاقتصادية مثل الصناعة والخدمات المالية. على سبيل المثال، تمتلك الحكومة حصة الأسد من شركة ألمنيوم البحرين أو ألبا. الرقم المعتمد للنفقات عبارة عن 9.3 مليار دولار في عام 2015 مرتفعا إلى 9.8 مليار دولار في 2016 مقارنة مع 9.3 مليار دولار في 2014 ما يعني عدم حصول تغييرات بصورة مادية، فيما يخص الصرف لكن يختلف الأمر بالنسبة للإيرادات.. تقدر الإيرادات بنحو 5.5 مليار دولار و5.7 مليار دولار في 2015 و 2016 على التوالي مقارنة مع 8.1 مليار دولار في 2014.. وعلى هذا الأساس، تم بناء الموازنة الجديدة بهبوط كبير لدخل الخزانة العامة. لابد من الإشارة إلى أن الإيرادات لا تتضمن مخصصات الدعم الخليجي أو المارشال الخليجي، وهو الاسم الدارج للمشروع تيمنا بمشروع المارشال الأمريكي لبناء أوروبا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.. جرت العادة بتضمين الإيراد في حال كان عاما وغير مخصص، لكن يتميز مشروع المارشال بتخصيص الأموال لمعالجة أمور تتعلق بالبنية التحتية بالدرجة الأولى مثل بناء شبكة الطرق فضلا عن بناء وحدات سكنية للمواطنين. يتضمن مشروع المارشال الخليجي تقديم منحة مالية سنوية قدرها مليار دولار على مدى 10 سنوات لكل من عمان والبحرين بغية معالجة بعض التحديات المعيشية والاقتصادية التي تترك آثارها على الجوانب السياسية. ولحسن الحظ، كشفت تجربة السنوات القليلة الماضية استعداد بعض دول مجلس التعاون تقديم منح مالية أكثر من تلك المنصوصة عليها في مشروع الدعم الخليجي. من جهة أخرى، لا يزال التنويع الاقتصادي في البحرين بعيد المنال رغم كل الحديث عن الابتعاد عن القطاع النفطي.. تمثل عوائد القطاع النفطي بما في ذلك النفط الخام والمنتجات المكررة مثل وقود الديزل قرابة 87 بالمائة في عامي 2015 و 2016.. كما تشكل الصادرات النفطية نحو 85 في المائة من إجمالي الصادرات في الوقت الحاضر. تقوض هذه الحقائق مزاعم التنويع الاقتصادي على الأقل في هذه الفترة. حقيقة القول، يستند الحديث حول التنويع الاقتصادي إلى تشكيل القطاع النفطي نحو ربع الناتج المحلي الإجمالي. ويعود الأمر بشكل رئيسي لقطاع الخدمات المالية والذي يعد المساهم الأول للناتج المحلي الإجمالي. مما لا شك فيه، تعتبر البحرين مركزا إقليميا للبنوك بكافة أشكالها بما في ذلك الصيرفة الإسلامية على مستوى المنطقة بأسرها لأسباب تشمل وجود عمالة وطنية متدربة وعلى استعداد للعمل في قطاع الخدمات المالية.اللافت في هذا الصدد تميز البحرين من دون دول مجلس التعاون الخليجي بإصدار موازنة سنتين ماليتين متتاليتين لتحقيق أهداف تشمل منح المستثمرين المحتملين الحقائق والأرقام حول اتجاهات خطط الإنفاق الحكومية وعليه التكيف مع هكذا توجهات. بلغة الأرقام، يبلغ حجم الناتج المحلي نحو 31 مليار دولار أي في حدود 3 بالمائة فقط لحجم الناتج المحلي الإجمالي على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي، ما يعني أن صغر حجم الموازنة الأمر الذي يساهم للقيام بخطوة من هكذا نوع. يعد افتراض متوسط سعر 60 دولارا للبرميل لموازنة 16/2015 خيارا صائبا بالنظر لطبيعة الأسعار السائدة في الأسواق الدولية لعدة شهور. وكانت البحرين قد أعدت موازنة 14/2013 بمتوسط سعر قدره 90 دولارا. وقتها أوضح صندوق النقد الدولي أن تحقيق نقطة التعادل في الموازنة العامة يتطلب أن يكون سعر النفط 119 دولارا للبرميل أي رقم بعيد عن الواقع.مؤكدا، سوف تتعزز إيرادات الخزانة العامة في حال ارتفاع متوسط سعر النفط في الأسواق الدولية عن مستوى 60 دولارا.. لكن يبدو بأن السلطة متجهة لخيار آخر وهو الإصلاحات الاقتصادية عبر تقليص مستويات الدعم المقدم لبعض السلع والخدمات ما يعني تعزيز دخل الخزانة العامة.كمرحلة أولى، قررت الحكومة وقف الدعم المقدم للحوم الحمراء ابتداء من شهر أغسطس أي بعد انتهاء شهر رمضان المبارك. يتميز الشهر الفضيل بارتفاع مستويات استهلاك اللحوم الحمراء خلاله.. تم تقدير الدعم للحوم الحمراء نحو 135 مليون دولار في 2014 أو 8 بالمائة من التكاليف الإجمالية للبرنامج الدعم الذي يشمل المنتجات النفطية والكهرباء. ربما تؤدي إعادة هندسة دعم اللحوم وحصره للمؤهلين من المواطنين واستبعاد الأجانب تمهيد الطريق أمام حقبة جديدة من الإصلاحات الاقتصادية في البحرين.يوجد كلام منسوب لصندوق النقد الدولي مفاده أن قيمة دعم السلع والخدمات في البحرين تشكل أكثر من 11 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي في البحرين أي الأعلى على مستوى المنطقة.. مؤكدا، يعد هذا غير مناسب بالنسبة لدولة صاحبة أصغر اقتصاد في المنظومة الخليجية.في المحصلة، لا يوجد تخوف فعلي على سلامة المالية العامة بالنظر لاستعداد الدول الصديقة للبحرين بتقديم العون المالي متى وأنى كان ضروريا.