19 سبتمبر 2025

تسجيل

تطويرُ الذاتِ: الـمفاهيمُ والسُّبُلُ والنتائجُ

24 مايو 2014

عندما ننظرُ إلى النَّـملِ والنحلِ، نجدْهُما يعملانِ بغريزةٍ لم تتطورْ منذ آلافِ السنينِ، فالنملُ يبني قُراه، والنحلُ يبني خلاياه، بلا تجديدٍ. ولذلك نقولُ إنَّهما مجتمعانِ سُكونيانِ جامدانِ. لكنَ الإنسان يختلفُ عنهما، وعن سواهما من الـمخلوقاتِ، بقدرتِـهِ على تطويرِ ذاتِـهِ، بحيثُ يستطيعُ التَّكيُّفَ مع الواقعِ، وزيادةَ فرصِ نُموِّهِ، واتِّساعَ مجالِ تأثيرِهِ الإيجابيِّ في محيطِ أسرتِـهِ ومجتمعِـهِ والـمجتمعِ الإنسانيِّ كُلِّـهِ. فما الذي تَعنيهِ عبارةُ : تطويرِ الذاتِ ؟. تطويرُ الذاتِ، عبارةٌ ضخمةٌ لا يمكن تحديدُها في جانبٍ بعينِـهِ، لأنها تشملُ الإبداعَ واكتسابِ الـمهاراتِ والـمعلوماتِ، وتمتدُّ لتصلَ إلى السلوك والأخلاقِ والقِـيَـمِ، فهي، بتبسيطٍ شديدٍ، التَّكيُّفُ الإيجابيُّ مع الواقعِ، واستثمارُ الإنسانِ قدراتِـهِ ومهاراتِـهِ وتنميتُها من خلال الاستفادةِ من الأفكارِ والرؤى والعلوم الـمُتجددةِ. وهو، أيضاً، ضَبْطُ السلوكِ بالالتزامِ الأخلاقيِّ بقِـيَـمِ الـمجتمعِ.الـمشكلةُ التي تواجهُنا في سعينا لتطويرِ ذواتِـنا، تتمثلُ في أنَّنا لا نضعُ مخططاتٍ واضحةً عمليةً للكيفيةِ والنَّـهْـجِ الَّلذَينِ سنلتزمُ بهما للقيامِ بذلك. فكثيرون يظنونَ أنَّ اكتسابَ معلومةٍ من هنا، وأخرى من هناك، كافٍ لإثباتِ تطويرِهم لذواتِـهِـم، ويقفون عند هذا الحدِّ. وآخرون يعتقدون أنَّ مجردَ معرفتِـهِم، على سبيل الـمِثالِ، بأسماءِ الآلاتِ في مُحَـرِّكِ السيارة كافٍ ليقولوا إنَّهم اكتسبوا مهاراتٍ عمليةٍ، رغم عدم معرفتِـهم بوظائفِ تلك الأجهزةِ ولا الكيفيةَ التي تعملُ بها. وطرفٌ ثالثٌ، منا، يتراءى لهم أنَّ سماعَـهم لخطيبِ الجمعةِ، وقراءتَهم السريعةَ لبعض الفتاوى، يجعلُ منهم مُفتينَ قادرينَ على القولِ بحُرمَـةِ هذا الأمرِ، وعدمِ جوازِ ذاكَ. ورابعٌ، يتوهمُ أنَّ براعتَـهُ في مجالِ تَخَصُّـصِـهِ يكفيه ليكون له دورٌ وتأثيرٌ في جميعِ مجالاتِ النشاطِ الإنسانيِّ وفي الـمجتمعِ لابد من قبولِ الآخرينَ به.يكونُ تطويرُ الذاتِ في خطواتٍ متتاليةٍ أو متزامنةٍ ، كالتالي :(1) أنْ يُحَـدِّدَ الإنسانُ أهدافاً يريد تحقيقَها.(2) أنْ تتسمَ الأهدافُ وسُبُـلُ تحقيقِـها بالالتزامِ الأخلاقي بالإسلامِ الحنيفِ، والـمحافظةِ على مصالحِ الناسِ والـمجتمعِ والدولةِ.(3) استشارةُ الـمُختصينَ ذوي الخبرة والكفاءةِ في الـمجالِ الذي يهتمُّ به، لوَضعِ مخططٍ زمنيٍّ على مراحلَ، بحيثُ يقوم بتقييم مدى تَقَـدُّمِـهِ في كلِّ مرحلةٍ.(4) الاطِّلاعُ الحرُّ على التقدُّمِ العلمي والـمَعرفيِّ في كلِّ الـمجالاتِ، من خلالِ قراءةِ الصحفِ والـمجلاتِ، ومتابعةِ البرامجِ التلفزيونيةِ ومواقعِ التواصلِ الاجتماعيِّ.(5) الخروجُ إلى الـمجتمعِ والاحتكاكُ بالآخرينَ، وتَعويدُ الإنسانِ نفسَـهُ على الحوارِ وتبادلِ الأفكارِ، وعلى ضبطِ النفسِ أثناءَ النقاشاتِ لأنَّ ذلك هو السبيلُ للوصولِ إلى صُنعِ التأثيرِ والـمكانةِ لاحقاً. كلمةٌ أخيرةٌ :تطويرَ الذاتِ هو ترسيخٌ لدورِ الفرد ومكانتِـهِ في الـمجتمعِ. وهو أيضاً، رافدٌ مهمٌّ من روافد التنميةِ الشاملةِ التي تحققُ للأوطانِ مستقبلاً يقومُ على الـمعرفةِ والعلمِ والانضباط الأخلاقي الرفيعِ.