15 سبتمبر 2025

تسجيل

من رسائل المرحوم

24 مايو 2012

منذ أسبوعين، كتبت عن تلك الرسائل العاطفية، التي عثرنا عليها ذات يوم عند سور المدرسة الثانوية، ونحن طلاب، وكانت موضوعة في ظرف مكتوب عليه: رسائل المرحوم، والآن قد ضغطتني، لأعيد انتاجها روائيا، وهذه الفقرة من النص الذي أعمل عليه: (حوالي التاسعة، وفي موعد الإفطار الذي يستمر حتى العاشرة، ويسرح له التلاميذ من فصول الدراسة، كنت في السوق، أتسكع مترددا، أمام استديو عنتر وإخوانه، الذي يعمل فيه تلميذي الفقير أيام الجُمع، ثم أنهي ترددي أخيرا وأدخل. عثرت على موظفة شابة، لم تكن موجودة يوم أمس، وبدت لي بتذوقي الجديد للمرأة، الذي بت أحمله منذ رأيتك، أنها سلسة، وودودة، وفيها جمال، يمكن أن يوقع بعاشق ما، في زمن ما. سألت في البداية عن صوري التي التقطها لي مصور الإستديو يوم أمس، وكانت موجودة في ظرف صغير، مقصوص بلا عناية، أخرجته الفتاة، من صندوق ممتلئ بالأظرف المماثلة، وسلمته لي، بعد أن تأكدت من مطابقتي لمحتوياته. هذا ليس غرضي يا فتاة، هتفت في سري، وأنا أضع المظروف في جيبي، وأحاول أن أسأل عن الغرض الحقيقي، من دون أن أبدو نشالا أو متلصّصا أخرق، وفي النهاية، وبعد أن تأكّدت أن ابتسامتها عادية، بلا أي ظلال، قلت: هل قمتم بتصوير حفل زفاف، ليلة الخميس في النادي الطلياني؟ اهتمت الفتاة لسؤالي بشدة، كأني كنت أسألها عن صحة والدتها، أو أبشرها بزيادة راتبها، في تلك الوظيفة الخامدة التي لا تنبئ بأي مستقبل، اعتذرت بلطف بأنها كانت غائبة منذ الأربعاء، وبحثت في الأدراج المتراصة من حولها، وسجلات التصوير الخارجي، يدها اليمنى تتقافز بين الأرفف، واليسرى تلاحق خصلة شعر متمردة، تسقط على عينها، كلما رفعتها، أخيرا وبعد عدة دقائق، قالت:  — نعم زفاف عبدالقادر على سلمى. زفاف عبدالقادر، هذا أعرفه جيّدا، لأنه زفاف قريبي، لكن سلمى للأسف لم أكن أعرفها. اكتشفت فجأة، أنني ذهبت إلى عرس لا أعرف عروسه، وزاد ذلك من يقيني أنني كنت ذاهبا لأراك أنت يا أسماء، المناسبة الكبرى التي تأنقت من أجلها من دون أن أدري. سؤالي الثاني كان أصعب، ويحتاج إلى تدريب طويل، في مقاومة الحرج، حتى أسأله، ولم أكن مدرّبا بكل أسف، ظللت أكثر من عشرين دقيقة، أتلكأ ببصري في الصور والإطارات الفارغة، المتراصة على الأرفف الزجاجية، داخل الأستوديو، ومن طرف عيني، أتتبع الفتاة، أجدها قد أخرجت قلامة للأظفار من حقيبتها القماشية، الموضوعة أمامها، عملت بها على ظفرين ناتئين في يدها اليسرى، وأعادتها إلى الحقيبة، التقطت إصبعا لطلاء الشفاه، بني اللون، مررته على شفتيها بسرعة، التقطت سماعة الهاتف، وأعادتها إلى مكانها، من دون أن تجري اتصالا، دخل زبون يرتدي ثوبا وعمامة وحذاء من جلد النمر، التقط مظروفا شبيها بمظروفي، وخرج، وارتفع صوت امرأة من الطريق، يصرخ: يا يحيي.. يا يحيي.. وفي اللحظة التي شاهدت فيها الفتاة، قد بدأت ترتبك، وتهتز أطرافها، ربما لشعورها بأن ثمة خطأ ما في وجود زبون، لفترة أطول من اللازم، وربما لسبب آخر لا أعرفه، اخترت إطارا فارغا من الخشب المدهون باللون الذهبي في أطرافه، كان موجودا من ضمن أطر عديدة، موضوعة على الأرفف بجانب الصور، وضعته أمامها.