15 سبتمبر 2025
تسجيلتدرك أبوظبي أنَّ مخططاتها تجاه بلادنا قد فشلتْ فشلاً ذريعاً، وتعرفُ أنَّ مشروعها الإمبراطوري في الجزيرةِ العربيةِ والبحرِ الأحمرِ وليبيا قد بدأ يتهاوى، لكنها لا تريدُ الاعترافَ بالواقعِ، وإنما تسعى لتوسيعِ دائرةِ الاضطراباتِ والقلاقلِ في المنطقةِ، في محاولةٍ بائسةٍ لتحقيقِ أوهامها بأنْ تكونَ مركزَ صناعةِ القرارِ الخليجيِّ والعربيِّ. فخلال الأسبوعينِ الماضيينِ، لاحتْ في الأفقِ بوادرُ بداياتِ التهدئةِ كمقدمةٍ لحلِّ أزمةِ الحصارِ المفروضِ على بلادنا، وقامتِ الصومالُ وجيبوتي بإنهاءِ التواجدِ العسكريِّ الإماراتيِّ في موانئهما وأراضيهما بعدما أدركتا أنه يتناقضُ مع مصالحهما كدولتينِ مستقلتينِ، وشاءَ الله لليبيا خيراً، فخرجَ خليفة حفتر، أداةُ أبوظبي، من الصورةِ فاستبشرَ الليبيون بمرحلةٍ جديدةٍ تحفظُ وحدةَ بلادهم من خلال حلٍّ سياسيٍّ لا تستطيعُ الإماراتُ منعه. أما أعظمُ ملامحِ الانهيارِ وضوحاً، فهو تعبيرُ الشعبِ اليمنيِّ عن رفضه للتواجدِ العسكريِّ الإماراتيِّ ولسياساتِ أبوظبي في بلاده، مما يشكلُ بدايةً لتقزيمِ دورِ الإمارةِ في اليمنِ على الرغم مما فعلته من إنشاءِ ميليشياتٍ محليةٍ مسلحةٍ تابعةٍ لها في جنوبه. اليومَ، تعيشُ أبوظبي أزمةً سياسيةً هائلةً بعدما انعكستْ عليها الأزماتُ التي صنعتها للآخرينَ، وتعرفُ جيداً أنَّ الأحداثَ تعصفُ بأوهامها الإمبراطوريةِ، وتدفعها للعودةِ إلى حجمها الحقيقيِّ سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، مما جعلها تلتفتُ، مرةً أخرى، إلى محيطها الخليجيِّ باحثةً عن قلاقلَ تثيرها فيه وتشغلُ الناسَ بقضايا جديدةٍ تلهيهم عن متابعةِ القضايا القديمةِ التي استباحتْ فيها الثوابتَ والأخلاقَ الإسلاميةَ والعربيةَ، وصدعتْ بها جدرانَ البيتِ الخليجيِّ، وزلزلتْ قناعاتِ الخليجيينَ بوحدتهم ومصيرهم المشترك. فها هي تسلطُ مغرديها ضد عمانَ والكويتِ، وتوعزُ لموظفيها من كبارِ المسؤولين البحرينيينَ ليشاركوا في الحملاتِ ضدهما بتصريحاتٍ تفتقدُ أدنى متطلباتِ اللباقةِ السياسيةِ. ولأنها تعلمُ أنَّ مخططاتها ضدهما لن تنجحَ في ظلالِ فشلِ مؤامراتها ضد بلادنا، فإنها تعملُ على إعادةِ الأزمةِ إلى مربعها الأولِ، بحيثُ يظلُّ الجميعُ تحتَ تأثيراتِ الأيامِ الأولى للحصارِ. وهذه سياسةٌ مفهومةٌ وطبيعيةٌ، لأننا في الربعِ الأخيرِ من الساعةِ الأخيرةِ للأزمةِ، وتريدُ الإمارةُ أنْ تحافظَ فيها على ما تستطيعُ الحفاظَ عليه من ماءِ الوجه. فأمسِ، ادعتْ بأنَّ مقاتلاتٍ قطريةً اقتربتْ من طائرةٍ مدنيةٍ إماراتيةٍ في الأجواءِ البحرينيةِ، وهو ادعاءٌ يمكنُ بسهولةٍ الكشفُ عن تهاويه وكذبه. وأوعزت لوزيرِ خارجيةِ البحرينِ فغرَّدَ شاتماً قناةَ الجزيرةِ في تعليقه على حادثةِ إطلاقِ النارِ في حي الخزامى بالرياض، وكأنه يريدُ استغلالَ الحادثةِ لنشر حديث الكراهيةِ والحقدِ ضد بلادنا، وتوجيه العقولِ بعيداً عن الصورةِ التي نرى فيها الخروجَ التدريجيَّ المخزيَ لأبوظبي من المشهدِ السياسيِّ بعدما تتالت خسائرها المعنويةُ والاقتصاديةُ والسياسيةُ. غابَ عن القيادة الاماراتية أنَّ الدولَ تبدأُ بالانهيارِ عندما تتمددُ عسكرياً وسياسياً خارجَ حدودها بصورةٍ مبالغٍ فيها، وتناسى أنَّ التمددَ لابد له من مشروعٍ حضاريٍّ تؤمنُ به وتقبله الشعوبُ. فالإماراتُ مهما بلغت من قوةٍ، ستظلُّ أسيرةً لواقعها البشريِّ والاقتصاديِّ، وفي غيابِ وجودِ تأثيرٍ إيجابيٍّ لها في قلوبِ العربِ والمسلمين، يكونُ الفشلُ نتيجةً طبيعيةً لمغامراتها غيرِ المحسوبةِ. وهو فشلٌ ستكونُ له نتائجُ خطيرةٌ بعيدةُ المدى ينبغي تلافيها بتغييرِ السياساتِ الرعناءِ التي لم تؤدِّ إلا إلى نشرِ الاضطراباتِ بين الدولِ، والأحقادِ بينَ الشعوبِ. وعلى الرغم من مخططاتِ أبوظبي، فإننا، القطريين بقيادةِ سمو الأمير المفدى، قمنا بإدارة الأزمةِ بصورةٍ صحيحةٍ حتى بلغنا مرحلةَ التسويةِ، وهي المرحلةُ قبلَ الأخيرةِ من مراحلِ إدارةِ الأزماتِ، ولذلك، نتعاملُ بهدوءٍ مع كلِّ ما يثارُ، ونسعى لتطويقِ التداعياتِ المحتملةِ لكلِّ المستجداتِ، ولا ننجرُّ إلى الزوايا الضيقةِ المظلمةِ التي تحاولُ الإمارةُ جرَّنا إليها. ونعتقدُ جازمينَ بأنَّ الحصارَ سينتهي وفقَ مبدأ تميم الخاصِّ بالحوارِ دونَ المساسِ بسياسةِ الدولِ.