03 أكتوبر 2025
تسجيلأول مرة حضر فيها قمر سعيد، المعروف في حيه وكثير من الأحياء المجاورة بقمر طلمبة منذ كان طفلا بلا أي إيضاح لذلك اللقب، ندوة ثقافية، تلك التي أقيمت في نادي الصفوة وسط المدينة، وذهب لحضورها، ليس حبا في الندوات أو المواضيع التي تخيل أنها تطرحها، ولكن لأن نجوم غالي، التي تسكن قريبا من بيتهم، كانت هي التي نظمتها، وستديرها، ووجهت دعوات صريحة لجميع سكان الحي، بمن فيهم نساء أميات، وأطفال لم يتعلموا الثقافة بعد، أن يزدحموا في أولى ندواتها بعد شهر قضته في ماليزيا، وكانت تطمح لتقديم كثير من الندوات المماثلة في المستقبل. لم يكن طلمبة وثيق الصلة بفتاة الجيران الذين سكنوا منذ فترة وجيزة في الحي، وتحديدا منذ ثلاثة أشهر، وكان وقتها في المستشفى، يجري جراحة عاجلة لاستئصال الزائدة الدودية، ولا كانت تلك الفتاة الجميلة، ذات غطاءات الرأس الملونة، والأزياء الحديثة البراقة، تلتفت إليه في أي وقت تشاهده فيه، في الحقيقة حتى لم يكن متأكدا من نشاطها، ولا وردت سيرتها أبداً من ضمن سير البنات التي توزع في الحي بكثافة، أملا في العثور على زوج مستقبلي. كان يشاهدها أحيانا في الصباح، تنتظر في محطة الباص على الطريق العام وهي تطالع ساعتها في قلق، أحيانا تركض خلف عربة أجرة مسرعة، لا تود أن تتوقف، وفي أحيان قليلة جدا، تبتسم لجارة أو جارتين، ابتسامات فسرها طلمبة، بأنها ابتسامات بعيدة جدا عن التواضع. في البداية رتبها كثيرا في ذهنه وبعثرها، وفكر أن يصبح شقيا لأول مرة في حياته، يتعلم الكلام الناعم، ويطاردها في الشوارع، لكنه خاف من جرح لا ضرورة له إطلاقا، وحياته مستقرة بخيرها وشرها. كانت تصلح في رأيه المتواضع، شيطانا عربيدا، يمكن أن يفرق بين زوجين سعيدين، أو ملاكا محتشما غاية الاحتشام، يساهم في سعادة أحد ما. كانا رأيين متناقضين بكل تأكيد، ولم يحس أبداً بتناقضهما، والحقيقة أنه كان هزيلا إلى حد ما، ومرتبكا، ومتناقض الملامح، لدرجة أن لاعب سيرك عجوزا، مر بالحي ذات يوم، في مهرجان ترفيهي، نظمته اللجنة المحلية، مازحه أمام الناس بعد أن شم ملامحه جيدا، نبهه إلى استحالة أن يخرج المخاط مهذبا من أنفه الضيق، واستحالة أن تبكي عيناه بطريقة صحيحة، وهما مثل ثقبين على جدار. ذلك اليوم ابتهج كل من شاهد سيرك البهجة، وسمع انتقادات اللاعب العجوز، وهي ترسخ تناقضات وجه شاهدوه كثيرا، ولم يهتموا بتناقضاته قط. لكن طلمبة لم يكترث كثيرا، ولا نقصت خيلاؤه الفقيرة، شبرا واحدا، ابتهج مثل الآخرين، ومضى إلى بيته عاديا بعد أن انتهى الترفيه. ليخترع حلم يقظة أخاذا عن لاعبة السيرك، التي كانت تصعد إلى سقف الخيمة، على حبل، وتتلوى في الفراغ. ولأن أمه هي التي أنجبته، ويعيش معها وحدهما، منذ توفي والده في حادث طريق، كانت تحس بمسؤوليتها تجاه ملامحه غير الجاذبة، وابتدأت منذ زمن طويل، تمجده بمناسبة وبلا مناسبة، وصيرته برغم تعليمه الناقص، ومهنته المتواضعة، ككاتب عرضحالات عادي أمام المحكمة الشرعية، أميرا غازيا لقلوب بنات الدنيا كلهن، وسعت كثيرا ليشاركها آخرون من الجيران والأهل والمعارف، ذلك الاعتقاد، ولا يعرف طلمبة إن كانت قد نجحت في سعيها أم لا، لأن لا بنت واحدة من بنات الدنيا، حامت حوله، بينما آخرون في نفس العمر، وفي وظائف أقل شأنا من وظيفته، كانوا يتحدثون عن فاتنات رائعات، يبادلنهم الغرام.