15 سبتمبر 2025
تسجيلإن الأمة التي تريد أن تبني الحضارة ويكون لها مكانتها العالمية يجب أن تنطلق من الوعي بهويتها، التي تحدد وظيفتها الحضارية ودورها التاريخي، وتجعل الانسانية تحتاج لوجودها. وكلما ازدادت الهوية وضوحا في عقول أبناء الأمة وقلوبهم ؛ تتزايد قوتهم وقدرتهم على فتح آفاق جديدة، وبناء المستقبل على قواعد الحرية والعدل.. لذلك يجب أن يواجه العلماء التحديات التي يفرضها القرن الحادي والعشرون بإعادة تعريف الأمة الإسلامية بهويتها، ليصبح كل مسلم قادرا على الفخر بالانتماء لأمته، والعمل لتحريرها من الاستعمار القديم والجديد. وأعتقد أن من أهم نتائج العدوان الاسرائيلي على غزة، ومشاهدة دماء شهدائنا في فلسطين تتدفق على الأرض التي باركها الله أن الأمة الاسلامية سوف تسترد وعيها بهويتها، وستدرك أنها يجب أن تدافع عن حقها في الحياة بالقيام بوظيفتها الحضارية، وتحرير القدس لتعود كما كانت منذ حررها أصحاب رسول الله مجتمعا للمعرفة يشع منها نور العلم على البشرية كلها. وصمود المقاومة في غزة يوضح لنا أن وعي المجاهدين بهويتهم أهم مصادر قوتهم، فقلوبهم تتعلق بنصر الله، وهم يقدمون أرواحهم فداء لتحرير القدس، فهي اسلامية الهوية والوظيفة والدور، ويجب أن يعمل المؤمنون لتحريرها لأنها ترتبط بعودة حضارتهم التي تشتد لها حاجة البشرية بعد أن غرقت في طوفان التفاهة والفساد والظلم. والله سبحانه وتعالي حدد هوية هذه الأمة في القرآن الكريم: ﴿ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ سورة آل عمران:110.. وروي الترمذي باسناد حسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « أنتم تتمون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها عند الله». وفي حديث آخر قال رسول الله صلي الله عليه وسلم قال:: « أعطيت ما لم يعط أحد من الأنبياء». فقلنا: يا رسول الله، ما هو ؟ قال: « نصرت بالرعب وأعطيت مفاتيح الأرض، وسميت أحمد، وجعل التراب لي طهورا، وجعلت أمتي خير الأمم «. تفرد به أحمد من هذا الوجه، وإسناده حسن. لذلك يجب أن تدرك الأمة الاسلامية قيمتها ومكانتها بين الأمم ووظيفتها الحضارية، وتدرك أن الله سبحانه وتعالي بتكريمها بهذا الوصف حملها مسؤولية قيادة الأمم، وانها يجب ان تعطي المعرفة التي أنعم الله بها عليها لكل الأمم، وهذه المعرفة هي الأساس التي يمكن أن تبني البشرية عليه نظاما جديدا يحقق للإنسان الحرية والكرامة والعدل ؛ فلكي يكون الانسان حرا يجب أن ينطلق من الايمان بالله؛ ليعبد الله ويعمر الأرض، والمعرفة بالله تجعل الانسان يلتزم بالأخلاق، وأهمها الرحمة والشجاعة. لقد علمتنا دراسة الأحداث منذ بداية الاستعمار الأوروبي حتى الآن أنه لا أخلاق بدون ايمان بالله، وأن الانسان يرحم الآخرين عندما يتعلق قلبه بالله الرحمن الرحيم، ويكون شجاعا عندما يدرك عقله أن الله وحده هو القوي، وأن النصر بيده وحده، وأنه يقوم بدوره ومسؤوليته عبادة لله. عندما نستعيد وعينا بهويتنا سندرك أننا يجب أن نقوم بدورنا في حياة البشرية ؛ لنحررها من العبودية للاستعمار والاستبداد، ولنفتح لها أبواب الحرية لتؤمن بالله وحده، وتبني نظاما عالميا جديدا تحتل فيه الأمة الاسلامية موقع القيادة لأنها خير الأمم، والأمة الخيرة التي تعلم البشر. وطوفان الأقصي يفرض علينا أن نطلق لعقولنا العنان ؛لتنتج الكثير من الأفكار التي نبني بها المستقبل بعد أن نشعر بالعزة والفخر بانتمائنا للأمة الاسلامية، فننهض وننتفض ونتقدم وننتصر. تكريم الله سبحانه للأمة الاسلامية في القرآن الكريم يفرض عليها أن تتقدم لتحرير فلسطين، فهو بداية الانطلاق لبناء المستقبل، ولذلك أدركت المقاومة الاسلامية في فلسطين ان دماء شهدائها ستضيء للأمة الاسلامية كلها طريق الحرية والتحرير، واستعادة وظيفتها الحضارية. وكل شهيد في فلسطين قام بدوره في زيادة وعينا بهويتنا، فمن يضحي بحياته من أجل تحرير القدس يستحق الكرامة والتكريم والحرية وشرف الانتماء لخير أمة أخرجت للناس.