14 أكتوبر 2025
تسجيلنسبة لانشغالي هذا الأسبوع، أورد هذا المقطع من عمل روائي جديد، ما زال قيد الكتابة: في الصباح التالي وأنا منغمس في توابل الكتابة الشرقية التي عدت بها، ومحاولات جرها إلى الورق لكتابة نص مغاير كما أعتقد، رن هاتفي المحمول. كانت مكالمة من نجمة، الفتاة المتعجرفة جدا، التي أعرفها منذ عامين، وأتذمر من عجرفتها في أحيان كثيرة. كانت تتعالى حتى على تنفسها، فلا تستخدمه إلا بمقدار. تتعالى على الوطن وسكانه، ومقتنعة تماما، إن النجوم البعيدة في السماء، هي التي سميت على اسمها، وليس العكس. كانت ثيابها تقليدية، لا تتبع تفصيلات الحداثة، لأنها لا تحب الانبهار بموضات هذا العصر، ولا أي عصر آخر، عطورها خليط من أنواع مختلفة من العطور المحلية والأجنبية، حتى لا تحس بأسر عطر واحد كما تقول. ونظرتها للرجال، يمكن تلخيصها في جملة واحدة فقط: نظرة ليست على ما يرام. كانت بداية تعرفي إليها حين أسمعتني ذات يوم في أحد المقاهي المنعزلة، قصة لها اسمها: عتود الجيران، فكرتها خيالية مدهشة عن عتود يملكه أحد جيران الراوية، كان يتنبأ بأحوال الطقس وتقلب الأسعار، والمرض والموت، ويركض في البيت مزمجرا بشدة، فيفهم صاحبه أن ثمة انقلابا عسكريا، أو زلزالا مدمرا، أو كارثة أخرى مشابهة، ستحدث في ذلك اليوم. قصة فيها خيال خصب، لكنها للأسف كتبت بلا أدوات. أخبرت الفتاة برأيي صراحة، وطلبت منها أن تعيد كتابتها بعد أن تقرأ لآخرين، وتكتسب ولو قليلا من الأدوات، فلم يعجبها ذلك، خاصمتني، وانقطعت عن التواصل معي عدة أشهر، لكنها عادت مرة أخرى، حين علقت في ورطة وأرادتني أن أشارك فيها، ليس في حلها لأنها ستحلها بنفسها، وفي الوقت المناسب كما قالت، ولكن لأحولها إلى رواية.تلك الأيام كانت قد انتقلت مع عائلتها إلى أحد الأحياء القديمة التي يسكنها متوسطو الدخل عادة، بعد أن تقاعد والدها عن العمل الحكومي في مصلحة الضرائب، وتقلصت موارده كثيرا، وهناك شاهدها كاتب عرضحالات شاب، يعمل أمام المحكمة الشرعية، ويقيم في ذات الحي، وتعلق بها بجنون. في البداية كان تعلقه، مجرد نظرات لاهثة، متسارعة، يسكبها على وجهها وجسدها المنسق، كلما عثر عليها في الطريق مصادفة، ثم تحول إلى تعلق عبارات غير منمقة جيدا، تخرج من حلقه متقطعة، حين يجدها تنتظر باصا أو عربة أجرة، في محطة المواصلات العامة للحي، وأخيرا رسائل كثيفة، وغزيرة الجمل، تجدها في كل خطوة تخطوها في طرق الحي المغبرة، أو مكان عملها، حيث تعمل في شركة للدعاية والإعلان، أو ملقاة من أعلى سور بيتها، أو يأتي بها أحد إخوتها الصغار حين يعود من اللعب في الشارع.