10 سبتمبر 2025

تسجيل

نظرات في قرار الجمعية العامة بشأن القدس

23 ديسمبر 2017

* القوة الملزمة تتعلق بمبادئ أو قواعد قانونية * يجوز اتخاذ تدابير جماعية لصون السلام والأمن * الإعلان الأمريكي الانفرادي مخالف للقانون الدولي مجلس الأمن هو جهاز الأمم المتحدة التنفيذي المعني أساسا بتعزيز وتنفيذ متطلبات الأمن الجماعي الدولي. وبغية تحقيق ذلك يختص المجلس بالنظر في أي نزاع أو موقف يهدد السلام، وهو ما يمثل إجراء تمهيديا لمباشرة المجلس لاختصاصه العام في حفظ السلم والأمن الدوليين. ويقصد به قيام المجلس ببحث النزاع أو الموقف الدولي، لتحديد ما إذا كان من شأنه تهديد السلم والأمن الدوليين أم لا، ثم يتخذ ما يراه من تصرف مناسب. ويتم ذلك عن طريق التحقيق في ملابسات النزاع أو الموقف والظروف المحيطة به وتحليل عناصره. وفي ضوء ذلك، يقرر المجلس إما الدعوة إلى تسوية سلمية للنزاع الدولي، أو اتخاذ التدابير المناسبة لحفظ السلم والأمن الدوليين وإعادتهما إلى نصابهما. ويتخذ المجلس قراراته في هذا الخصوص بأغلبية تسعة من أعضائه الخمسة عشر، شريطة أن يكون من بينها أصوات الأعضاء الدائمين متفقة، بما يعني أن لكل دولة من الدول الدائمة أن تعترض على مشروع القرار للحيلولة دون صدوره، بغض النظر عن عدد من وافق عليه من الأعضاء الآخرين. حفظ السلم  أما الجمعية العامة، فهي جهاز الأمم المتحدة العام الذي يضم ممثلي كل الدول الأعضاء (193). ويتركز اختصاص الجمعية العامة في كل ما يدخل في اختصاص الأمم المتحدة ومهامها لتحقيق مقاصدها ومنها، بصفة خاصة، حفظ السلم والأمن الدولي، حيث تنظر في المبادئ العامة في حفظ السلم والأمن الدولي، وذلك بمناقشة وبحث الأصول العامة لتحقيق التعاون الدولي في مجالات حفظ السلم والأمن الدوليين، ومناقشة المسائل المتصلة بحفظ السلم والأمن الدوليين، ولكن يقيد من هذا أنه لا يجوز للجمعية أن تقدم أية توصية في شأن مسألة مدرجة في جدول أعمال مجلس الأمن، إلا إذا طلب المجلس منها ذلك. وفي محاولة للتخلص من الآثار المترتبة على عدم استطاعة مجلس الأمن ممارسة سلطة القرار في المسائل المتعلقة بحفظ السلم والأمن الدوليين، إعمالا لنظام الأمن الجماعي، الناتجة عن التعسف في استعمال حق الاعتراض من جانب أي من الدول دائمة العضوية، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا في الثالث من نوفمبر عام 1950 (القرار 377 د/5) عرف " بقرار الاتحاد من أجل السلم" يتضمن أحكاما تهدف إلى تدعيم سلطات الجمعية العامة في ميدان المحافظة على السلم والأمن الدوليين. قرار الاتحاد  تضمن قرار الاتحاد من أجل السلم في مقدمته التأكيد على أهمية قيام مجلس الأمن بمسئوليته في حفظ السلم والأمن الدوليين، وقرر أن على الأعضاء الدائمين أن يسعوا إلى إجماع فيما بينهم، وأن يخففوا من استعمال حق الاعتراض، بقدر كبير. وأشار القرار إلى أنه إذا لم يتمكن مجلس الأمن من القيام بالتبعات الملقاة على عاتقه على أثر استخدام حق الاعتراض، من جانب إحدى الدول الدائمة، فإن هذا لا يعني تحلل الأعضاء من التزامهم ولا تحلل المنظمة من مسؤوليتها في ميدان المحافظة على السلم والأمن الدولي، وأكد أن الجمعية لها حقوق وعليها مسؤوليات في هذا المجال. ولأجل هذا نظّم القرار إمكانية دعوة الجمعية العامة لدورة طوارئ مستعجلة، تنعقد في خلال أربعة وعشرين ساعة، عند ثبوت فشل مجلس الأمن في القيام بتبعاته الرئيسية في حفظ السلام والأمن الدولي. وبناء عليه، يجوز للجمعية العامة، عملا بقرار “الاتحاد من أجل السلم"، إذا لم يتمكن مجلس الأمن من التصرف بسبب تصويت سلبي من جانب عضو دائم بالمجلس، أن يتخذ إجراءات في أمر يهدد السلم أو عمل عدواني، يجوز للجمعية أن تنظر في المسألة على الفور من أجل إصدار توصيات إلى الأعضاء باتخاذ تدابير جماعية لصون أو إعادة السلام والأمن الدوليين. وتصدر قراراتها بأغلبية ثلثي الأعضاء الحاضرة المشاركة في التصويت، أي لا يحسب في عداد نسبة التصويت الأعضاء الممتنعون والأعضاء المتغيبون. القوة الملزمة  وسلطة القرار المخولة للجمعية العامة هنا هي مجرد توصيات. ومن المعروف أن التوصية غير ملزمة، شكلا، للأعضاء، إلا إذا كان مضمونها يتعلق بمبادئ أو قواعد قانونية تستند إلى مصدر من مصادر القاعدة القانونية الدولية مباشرة مثل العرف والمعاهدات الدولية، إذ تستند القوة الملزمة هنا على هذا المصدر؛ وذلك على خلاف سلطة القرار التي يباشرها مجلس الأمن وفقا للميثاق، إذ تمتد إلى سلطة اتخاذ قرارات ملزمة يتعين على الأعضاء احترامها وتنفيذها حين تتخذ القرارات وفقا للفصل السابع الخاص بتدابير المنع والقمع ضد الدولة المعتدية أو المهددة للسلم والأمن الدوليين. فشل المجلس   وأمام فشل مجلس الأمن من اعتماد مشروع القرار الخاص بالإعلان الانفرادي الأمريكي بشأن القدس بسبب استخدام الولايات المتحدة للفيتو، رغم موافقة بقية أعضاء مجلس الأمن الأربعة عشر جميعا، فقد أحيل الموضوع إلى الجمعية العامة لعقد اجتماع طارئ خلال 24 ساعة على أساس قرار الاتحاد من أجل السلام السابق الإشارة إليه، حيث عقد الاجتماع في 21 ديسمبر وانتهي إلى إصدار قرار بموافقة أغلبية 128 عضوا واعتراض 9 أعضاء، (وامتناع 35 عضوا عن التصويت وتغيب عن الحضور21 عضوا)، يقضي أساسا بعدم قانونية إعلان الولايات المتحدة الأمريكية بشأن القدس، وعدم إنتاجه أي أثر قانوني لمخالفته أحكام القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة الصادرة عن مجلس الأمن وعن الجمعية العامة بشأن القدس والاحتلال الإسرائيلي لفلسطين.  لا سلطة للاحتلال     القرار الصادر عن الجمعية العامة هو توصية من حيث الشكل لكن قيمته القانونية تستند موضوعيا من حيث إن مضمونه يأتي تأكيدا لمبادئ قانونية دولية في مقدمتها أن الاحتلال لا ينقل السيادة على الإقليم المحتل إلى سلطة الاحتلال، وتأكيد لما صدر عن الأمم المتحدة من قرارات متتالية بشأن الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية، وعدم الاعتراف بأية تدابير إسرائيلية لتغيير هوية الأرض المحتلة بما فيها القدس واعتبارها عديمة الأثر قانونا. ومن جهة أخرى يستند في قوته القانونية إلى الموقف الدولي الذي يعكس الاتجاه العالمي الغالب ببطلان الإعلان الأمريكي الانفرادي وعدم ترتيبه لأية آثار قانونية. ومن جهة أخرى، لا تقل القوة القانونية لقرار الجمعية العامة هذا عما كان سيترتب على صدور القرار من مجلس الامن في حال عدم استخدام الولايات المتحدة للفيتو، إذ إن قرار المجلس هنا لن يصدر وفقا للفصل السابع المتعلق بالقرارات الملزمة فيما يتخذ من تدابير المنع والقمع لردع العدوان وما يهدد السلم والأمن الدوليين، وإنما كان سيصدر وفقا للفصل السادس الذي تنحصر فيه قرارات المجلس في مجرد توصية من حيث الشكل، وعليه كانت قوته ستنحصر مثل قرار الجمعية العامة في التأكيد على بطلان إعلان الولايات المتحدة الانفرادي بشأن القدس لمخالفته القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.