15 سبتمبر 2025

تسجيل

المحاسبة الدولية وتحقيق الأمن الجماعي

20 فبراير 2018

تضمنت كلمة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى في مؤتمر ميونيخ للأمن في السادس عشر من فبراير 2018، إشارة للعديد من النقاط الهامة المتعلقة بأبعاد قانونية دولية جوهرية، ومن بينها تنحية دول الشرق الأوسط خلافاتها جانباً، وإبرام اتفاقية أمنية بينها، لإبعاد المنطقة عن "حافة الهاوية"، وضمان عدم نشوب أية نزاعات أو صراعات في المستقبل، كما أشار سموه إلى ضعف وتراجع المحاسبة الدولية مما أدى إلى فقد كثير من الشعوب ثقتهم في وجود نظام خاص بالمحاسبة الدولية، فكيف تصل إلى الغاية التي تصبو إليها من تحقيق للأمن الجماعي وتفعيل لنظام المحاسبة والمسؤولية على الصعيدين الدولي والإقليمي؟ يحكم النظام الدولي حالياً ميثاق عالمي نشأت على أساسه منظمة الأمم المتحدة لغايات رئيسية في مقدمتها حفظ السلم والأمن الدوليين، ويتم تحقيق ذلك من خلال اتباع عدد من المبادئ الرئيسية منها مبدأ فض النزاعات الدولية بالطرق السلمية على أساس احترام وتنفيذ قواعد القانون الدولي، ورغم أن سلطات تحقيق الأمن الجماعي الدولي قد عهد بها إلى جهاز رئيسي في إطار الأمم المتحدة وهو مجلس الأمن، إلا أن نظام الأمم المتحدة لم يستبعد بل شجع الترتيبات الاقليمية للأمن الجماعي على المستويات الاقليمية، وقد عرف المجتمع الدولي العديد من تلك الترتيبات، وكان من بينها على المستوى العربي إبرام اتفاقية عام 1950 في إطار جامعة الدول العربية للتعاون الاقتصادي والدفاع المشترك بين الدول العربية واتفاقيات للتعاون الأمني بين دول الخليج العربية في إطار مجلس التعاون لدول الخليج العربية. وبنظرة تقييميه للاتفاقيات الاقليمية الأمنية العربية يتضح أنها لم تحقق الأهداف المرجوة منها، إن لم تكن قد فشلت واقعيا في تحقيق الأمن الجماعي العربي حيث ثارت، وماتزال، العديد من الأزمات والنزاعات العربية المهددة لأمن واستقرار الدول العربية مثل احتلال العراق لدولة الكويت في بداية تسعينيات القرن الماضي، والنزاعات والأزمات المسلحة الحالية في اليمن وسوريا وليبيا، والأزمة الخليجية الأخيرة المتمثلة في الحصار غير المبرر الذي فرضته أربع دول عربية ضد دولة قطر. ولم تكن جهود تحقيق الأمن الجماعي الدولي من خلال الآليات العالمية، خاصة من خلال مجلس الأمن الدولي، أفضل حالا، بل اتسمت مواقفها عموما بالضعف وعدم الفعالية نتيجة تحكم الاعتبارات السياسية في اتخاذ القرار، حيث لوحظ تخلف القرار الحاسم أحياناً وازدواجية التعامل مع القضايا والأزمات الدولية أحيانا أخرى. كل ذلك أظهر بما لا يدع مجالا للشك الحاجة لمراجعة النظام الدولي الأمني على المستويين العالمي والاقليمي. ومن جهة أخرى، اتسمت آليات تسوية النزاعات بالطرق السلمية، والتي حث ميثاق الأمم المتحدة على ضرورة التماسها، بل أكدت على ذلك الوثائق التنظيمية الاقليمية ومنها ميثاق جامعة الدول العربية والنظام الأساسي لمجلس التعاون الخليجي وكذا ميثاق منظمة التعاون الإسلامي، بضعف الفاعلية بسبب طوعية اللجوء إليها، أي أن اللجوء إليها يتوقف على موافقة طرفي أو أطراف النزاع، وهو أمر يتأثر إلى حد كبير برؤية أطراف النزاع أو طرف من أطراف النزاع لمصالحه الذاتية وما إذا كان اللجوء إلى هذه الوسائل، خاصة ذات الأثر الإلزامي منها كالتحكيم أو القضاء الدولي يتفق مع ما تدعيه أم لا. وعلى ذلك يكون صائبا القول إن النظام الدولي لتحقيق الأمن الجماعي الدولي والاقليمي بصفة عامة والنظام الدولي لتسوية النزاعات بصفة خاصة يتسم بالضعف وعدم الفاعلية وافتقاد القدرة على الإسهام في تحقيق الاستقرار وتجنب النزاعات مما أضعف الثقة فيه من جانب الكثير من الشعوب. والنظام الدولي الذي شُيدت أركانه عند إنشاء منظمة الأمم المتحدة عام 1945 قد بني على أساس كفالة واحترام حقوق الإنسان وحرياته الاساسية، حيث اعتمدت العديد من الوثائق الدولية لحقوق الإنسان على مستويات عالمية وعلى مستويات اقليمية في مقدمتها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية عام 1966، واقليميا الميثاق العربي لحقوق الإنسان والإعلان الخليجي لحقوق الإنسان على المستوى العربي والشرق أوسطي، ومع ذلك نجد انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان هنا وهناك، وقد ساعد على تفاقم هذه الانتهاكات السلبية والازدواجية التي يتبعها الفاعلون الدوليون من خلال المنظمات الدولية ذات الصلة أو من خلال مواقف دولهم الذاتية تجاه تلك الانتهاكات. وبناء على ما سبق، تبدو أهمية بل وضرورة التحرك الدولي والإقليمي السريع نحو تفعيل آليات تحقيق وتعزيز التعاون الدولي والعلاقات الودية بين الدول والشعوب، وذلك بإعادة النظر في أنظمة عمل الآليات الدولية العالمية والاقليمية لتحقيق الأمن الجماعي الدولي، وللارتباط الوثيق بينهما من حيث التأثير والتأثر.