27 أكتوبر 2025
تسجيلمنذ أيام ذكرت صحيفة "لوموند" الفرنسية ان السعودية دعت فرنسا إلى إقناع قطر بالتخلي عن شراء دفاعات جوية روسية من طراز "إس — 400 "، والتي تعد أسلحة دفاعية غير هجومية، مشيرة إلى إمكان لجوئها إلى "تحرك عسكري" ضد الدوحة إن لم تعدل عن مساعيها بهذا الشأن؛ وأضافت الصحيفة أن "المملكة العربية السعودية وجهت رسالة بهذا الشأن إلى الرئاسة الفرنسية، دعت فيها الرئيس الفرنسي إلى حث الدوحة على العدول عن إتمام هذه الصفقة. ويثير هذا الموضوع عدة تساؤلات قانونية تتمثل في: 1 — مدى أحقية قطر في التعاقد على صفقات استيراد أسلحة. 2 — هل من حق أية دولة الاعتراض على هذه الصفقات ومنعها، وهل ينتج هذا الاعتراض أثرا قانونيا ملزما للدولة التي ترغب في إتمام الصفقة؟ 3 — مدى مشروعية التهديد بالقيام بأعمال عسكرية ضد دولة قطر من جانب المملكة العربية السعودية. تتضح الإجابة على هذه التساؤلات من خلال استعراض المبادئ الحاكمة للعلاقات الدولية في إطار النظام القانوني الدولي، والتي تتمثل أساسا في التالي: 1 — مبدأ المساواة بين الدول: السيادة من العناصر الأساسية المميزة للدولة كشخص قانوني دولي، ومن مظاهرها استقلال الدولة في ممارسة شؤونها الداخلية والخارجية وعدم جواز تدخل الغير في ممارسة الدولة لهذه الشؤون. وقد أكدت على مبدأ السيادة والمساواة فيها مختلف الوثائق الدولية وفي مقدمتها ميثاق الأمم المتحدة في البند الأول من المادة الثانية. ومن نتائج إقرار المبدأ، تساوي كافة الدول في الحقوق والواجبات. ويقوم المبدأ على مجموعة من المقومات منها: ▪ المساواة القانونية بين الدول في الحقوق والواجبات. ▪ تمتع كل دولة بحقوقها المستمدة من القانون الدولي. ▪ على كل دولة احترام الشخصية القانونية لغيرها من الدول. ▪ حق كل دولة في التعبير عن إرادتها وتصريف شؤونها وصنع قراراتها الداخلية والمشاركة في صنع القرار الدولي باستقلالية كاملة. ▪ حق كل دولة في تحديد مواقفها بشأن تعاملاتها الخارجية التجارية والاقتصادية والسياسية والعسكرية وغيرها، ما دامت تلتزم بمعايير الشرعية الدولية. 2 — مبدأ عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى: وهو مبدأ مستقر عليه في العمل الدولي، كنتيجة طبيعية لمبدأ السيادة والمساواة بين الدول. وهو ما أكد عليه ميثاق الأمم المتحدة في المادة 2 / 7 كأحد المبادئ الرئيسة التي تلتزم المنظمة وتلتزم الدول الأعضاء باحترامه والعمل بمقتضاه. ويتحدد إطار المبدأ بعدد من القواعد من أهمها: ▪ ليس لدولة او لمجموعة من الدول حق التدخل المباشر أو غير المباشر ولأي سبب كان في الشؤون الداخلية أو الخارجية لأي دولة أخرى. ▪ الامتناع عن استخدام وسائل ضغط من أجل الهيمنة او التأثير على مواقف أو تصرفات او توجهات دولة أخرى، إعمالا لمبدأ أن لكل دولة سيادة كاملة في ممارسة شؤونها المختلفة والتصرف والتقرير بما يحقق مصالحها. ▪ لكل دولة الحق غير القابل للتصرف في تسيير شؤونها وتقدير احتياجاتها والعمل على تلبيتها بالوسائل المشروعة. ▪ حق كل دولة في رسم سياساتها في مختلف مناحي اهتماماتها ومصالحها ونظام وأسلوب تعاملها ومنهاج علاقاتها مع غيرها من الدول. 3 — حظر التهديد باستعمال القوة او استخدامها في العلاقات الدولية: وهو من المبادئ الرئيسة التي قام عليها النظام الدولي الذي أرسته الأمم المتحدة منذ انشائها عام 1945 كمنظمة عالمية تسعى إلى حفظ السلم والأمن الدوليين، من خلال تحقيق الأمن الجماعي الدولي. ومن مقومات تحقيق ذلك، العمل على حظر استعمال القوة أو التهديد باستخدامها في العلاقات الدولية، لما في ذلك من إخلال جسيم بمعطيات السلم والأمن على المستوى الدولي. وقد ورد النص على المبدأ في المادة 2 / 4 من الميثاق. وأوضح إعلان مبادئ الصداقة والتعاون بين الدول الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1970 أبعاد هذا المبدأ وعناصره الأساسية والتي منها: — واجب الامتناع عن التهديد بالقوة او استخدامها. — واجب الامتناع عن دعايات الحرب العدوانية. — واجب الامتناع عن الأعمال الانتقامية وغيرها من الأعمال القسرية لفرض وجهات نظر خاصة. — ضرورة احترام الالتزامات الدولية المتعلقة بحفظ السلم والأمن الدوليين. وفي ضوء ما تقدم يتضح أن النظام القانوني الدولي، من منطلق إرساء المبادئ السابقة، يعطي لكل دولة الحق الكامل في التصرف والتعاقد، وكذلك في اتخاذ ما يلزم من إجراءات وتدابير لكفالة الأمان والاستقرار لشعبها والدفاع عن إقليمها من خلال دعم وتعزيز قدراتها العسكرية، كما هو حال دعم قدراتها الاقتصادية وغيرها من متطلبات حفظ وتأمين كيانها كدولة، وأنه لا يجوز لأية دولة أخرى أن تفرض نفسها رقيبا وموجها بالرفض أو بالقبول لتصرفات وسلوكيات دولة أخرى، مادامت في إطار الشرعية الدولية. وحتى لو حدث خروج عن هذا الإطار فليس لدولة أو حتى لمجموعة دول أن تنصب نفسها شرطيا ورقيبا يجيز ويمنع تصرفات لدول أخرى. فالنظام الدولي أوجد آليات للتعامل مع هذه الحالات إعمالا لنظام الأمن الجماعي الدولي الذي بلور معاييره وأحكامه، من حيث المبادئ والقواعد والآليات، كميثاق الأمم المتحدة والوثائق والقرارات الدولية ذات الصلة. وإذا كان لا يوجد ما يمنع أية دولة من أن تعلن اعتراضها أو احتجاجها على تصرف صادر عن دولة أخرى فإن هذا الاعتراض أو الاحتجاج يظل حبيس إطاره النظري وغير منتج لأي أثر قانوني في مواجهة الدولة الموجه إليها، لأنه مجرد تصرف انفرادي لا يرتب أي حق قانوني للدولة الصادر عنها هذا التصرف، طالما أن محل الاحتجاج أو الاعتراض لا ينطوي على أية مخالفة لمبادئ وقواعد الشرعية الدولية. وحتى لو انطوى على ما تراه دولة الاحتجاج مخالفة فإن هناك آليات قانونية يتعين التماسها للنظر في الأمر ولا تملك دولة الاحتجاج أن تنصب نفسها خصما وحكما في ذات الوقت وتقوم بتصرفات او تتخذ أفعالا تمثل خرقا لمبادئ القانون الدولي يحملها المسئولية القانونية الدولية. وتجدر الإشارة الى أن دولة قطر قد أصدرت المرسوم رقم 67 لعام 2001 بشأن مصادقتها على اتفاقية الدفاع المشترك لمجلس التعاون لدول الخليج العربية والتي تنص في مادتها الأولى على أنه: "تؤكد الدول الأعضاء احترامها والتزامها بأحكام النظام الأساسي لمجلس التعاون لدول الخليج العربية وميثاقي جامعة الدول العربية وهيئة الأمم المتحدة وتأخذ على عاتقها فض جميع المنازعات بالطرق السلمية سواءً في علاقاتها المتبادلة فيما بينها أو في علاقاتها مع الدول الأخرى وتمتنع عن استخدام القوة أو التهديد بها على أي وجه لا يتفق وأهداف ميثاق هيئة الأمم المتحدة". كما تشجع هذه الاتفاقية فكرة تأسيس وتطوير قاعدة الصناعة العسكرية (المادة 8). وبناء على ذلك، تكون مطالب المملكة العربية السعودية، الهادفة إلى الحيلولة دون إتمام صفقة التسليح التي أبرمتها دولة قطر مع روسيا الاتحادية سواء بمحاولة دفع دول أخرى مثل فرنسا للتأثير على الموقف القطري أو الروسي، أو لحث روسيا عن طريق الترغيب أو غيره على العدول عن اتمام الصفقة مع دولة قطر، من الأفعال غير المشروعة، لما تنطوي عليه من تدخل في الشؤون الداخلية لروسيا وقطر على حد سواء. كما أن اقتران تلك المطالب بالتهديد بالعمل العسكري ضد دولة قطر يمثل فعلا غير مشروع يهدد السلم والأمن الدوليين، مخالفا لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة، ولا يمكن تبريره بالدفاع الشرعي عن النفس، حيث انه لم يصدر عن دولة قطر ما يمثل عدوانا على السعودية. ومن ناحية أخرى، تمثل المطالب السعودية مساسا بالسيادة القطرية، ومحاولة لفرض الوصاية على صانع القرار القطري، والتحكم في السياسة القطرية وتعاملاتها الخارجية، خاصة أن صفقة السلاح التي أبرمتها قطر مع روسيا ليس فيها خروج على الشرعية الدولية بل هي ممارسة لحقها في الدفاع عن نفسها وتأمين إقليمها وكفالة الأمن والأمان لشعبها والمقيمين على ارضها، في ظل التهديد المستمر الناجم عن الحصار المفروض عليها منذ الخامس من يونيو عام 2017.