10 أكتوبر 2025
تسجيلبدأت أجادل في مسألة إحراجي بآراء لم أتفق عليها مع أحد، وربما تكون مجاملات لا أقل ولا أكثر، وعن استغلال اسمي من دون علمي، فنفى زهري وهو يقتلني بابتسامته المشؤومة، عدم علمي لأنني أعلم الآن، وحتى لو لم أكن أعلم ونشر الكتاب، فلن يضيرني الأمر شيئا، وهناك ملاحظات قلتها بالفعل وكتبتها في رسائل. واشتعل عاصم ثورة حماسا ذكرني بماضيه حين كان يزورنا في الجامعة، ويجادل في أركان النقاش السياسية، التي كانت من سمات الحياة الجامعية في ذلك الوقت. كانت نظريته تخصه وحده ولا تصلح لتعميمها نظرية يتبعها الجميع، وهي أن المؤلف الشاب مثل الشتلة المغروسة حديثا،ستنمو مائلة أو تموت صغيرة، إن لم يروها أحد، وستورق وتثمر، وترمي بالظلال إلى أبعد مدى إن اهتم الجميع بسقايتها. أنت بستاني قديم..كان يردد: بستاني يستطيع تعديل الأغصان إن كانت مائلة، ويستطيع اقتلاع الشجرة كذلك. ربما لم تحب قصص الأستاذ زهري، لكنك ستحببها لآخرين إن قلت إنها قصص تستحق. ماذا تقول الآن. لا شيء.. قلت وأتنفس بصعوبة. لا شيء حقيقة.. سأقوم بأداء دور البستاني، ولا ذنب لي إن لم ينجح الدور، وماتت الشتلة برغم رعايتي لها. جميل.. قال عاصم.. جميل جدا.. أضاف زهري، ولسانه يتلاعب بشفتيه، يرطبهما. هذا جيد. كانت الفقرة الأخيرة جاهزة لدى الرجلين، ويوشكان على تقديمها. وكنت أعرف أنها كذلك وأحسست من تململ عاصم، ووقوف زهري وجلوسه عدة مرات بلا هدف، أن ثمة شيئا خطيرا وربما قاتلا سيضاف إلى جلسة البؤس تلك، واخترت أن أضيفه أنا: إذن تريدانني أن أمول طباعتها أيضا، أليس كذلك؟، كم تكلف؟ بدا أن عاصم ثورة قد ارتاح بشدة لذلك الطرح، لأن عينيه الضيقتين المكدودتين من ثقل العمر، ابتسمتا، وشاربه الأبيض الهزيل، تراقص قليلا في وجهه، وزهري كأنه زغرد لأنني سمعت ما يشبه زغاريد الفرح، تتقافز من حلقه. كنت في قمة البؤس وأحاول الخروج من تلك الأزمات المتتالية، وببساطة شديدة، وبلا أي جدال إضافي مع نفسي، وافقت على تمويل مجموعة زهري بمبلغ ليس قليلا، إضافة لتلك الآراء المغروسة في غلافها الخلفي، على أمل أن ألغي واحدة من الأزمات وأتفرغ لأزمة نيشان، وأزمة المسكينة ليندا الظل. لن يلومني أحد على ذلك لو عرفوا الدوافع، وأكيد سيعثر زهري على قارئ ينبهر بكآباته، وأعرف من خبرتي الطويلة في هذا الدرب، أن أمراض الايفود والحمى الروماتيزمية، والسعال الديكي لو كتبت قصصا بواسطة أحد، لوجدت من يتذوقها، وجروح الجسد ودمامله لو حكيت بأي لغة، لصاح أحدهم وهو يقرأها: يا الله.. يا الله رائعة. قلت لزهري والضيفان غير المرغوب فيهما يقفا للانصراف، وكنت لاحظت أنه ترك دفتره البني على الطاولة: لا تنس دفترك. رد: هذا لك لتلقى نظرة على القصص كاملة، أكتب في العادة في دفترين. كانا قد ذهبا حين بدأت بدافع الملل واليأس، أقلب الدفتر البني الذي يحوي قصص زهري كلها كما قال، قرأت: الزرافة:وضعوها في قفص صغير، في إحدى حدائق الحيوان. حين تفقدوها بعد عدة أيام، وجدوها ترضع القفص الصغير من ثدييها. مستيقظ كنملة: سألني الشحاذ: هل تنام من دون أن تعطي صدقة لشحاذ؟ قلت: لا تخف،مستيقظ كنملة. حب: تقول حبيبتي: ما الحاجة إلى القلوب ما دامت لا تدفع المهر أو تتزوج؟، أرد عليها: هي من يعقد القران. هي من يعقد القران. مللت بسرعة، ولم أفهم أي مغزى لتلك القصص التي بدت لي مجرد كلمات متراصة خالية من أي نبض أو إشعاع يشد القراءة، وبدأت أبحث عن قصة أسوأ مدينة- أفشل بلاد التي تحمل المجموعة اسمها، وربما تكون ذات دلالة أعمق، وعثرت عليها أخيرا في منتصف الدفتر. لأفاجأ بوجود العنوان، وتحته مائة علامة استفهام.