14 سبتمبر 2025

تسجيل

وداعًا أيمن

23 نوفمبر 2016

يرحل أيمن طه، وهو على أبواب الخمسين، المعلم الطيّب الخلوق، المليء بالإنسانية والسجايا الكريمة، يرحل في زحمة البؤس العربي الموعود بالربيعِ والخريف معًا. وقد اجتمعت فيه سمات المثقف والكاتب والمعلم، ولكنّه الموت. المعلمون مثل جميع الناس، يموتون، ولهم من يحزن لأجلهم، ولكنّي أنظر إلى هذا الأمر من زاوية مختلفة، بعيدًا عن زاوية "قم للمعلم"، فنحن منذ زمن زاهدون في هذا الواجب الذي التزمته أجيال ما قبل الحداثة، حين كان المعلّم الدليل إلى المجد، لا الموظّف الذي يؤدّي خدمة فحسب؛ ففي كلّ نهاية لمعلّم أرى بؤس الحال، ليس حال التعليم، بقدر ما هو حال مستقبل الأمّة العاجزة عن صدّ عدوّ، أو انتزاع كرامة، أو صناعة مجد، وأرى جيلًا يواجه المستقبل بعجزه وعجزنا الرهيب، بجهل مطبق صالحٍ لصناعة التطرّف، وعلمٍ غريبٍ على هوّيته، يسهّل أمر استلابه، ولهذا حين يموت معلّم، يموت فينا شيء، ونحسّ باقترابِ الكارثة أكثر.كان أيمن رجلًا نبيلًا، وزميلًا محبوبًا، ومعلّمًا فاضلًا، متذوقًا للأدب، يقرأ علينا دائمًا أبياتًا مختلفة لشعراء قدامى ومعاصرين. انتصر للربيع العربي، انتصر للأخضر منه، والحالم والنظيف. غادرنا إلى بني سويف قبل سنواتٍ قريبة، مؤثرًا البقاء بجانب أبويه العجوزين، وإخوته، بعدما نال المرض منه وأتعبه. وطوال تلك المدّة ظلّ أيمن جزءًا منّا نتذكره في طرائفه ومواقفه، ويتصل بنا كلّ حين.قبل سنواتٍ توفي شاعر شاب، ورثاه صديق له بعبارة موجزة: " لقد كبرنا يا أمّي، وأصبح عندنا أصدقاء يموتون". ولهذا يبدو موت الأصدقاء صعبًا، فهذا يعني أننا في الخندق ذاته، ولكنّ القذيفة انحرفت قليلًا فأصابت أخيك.لم يمت أيمن غريبًا، بل نحن الذين رأينا موته بعين غريب.