12 سبتمبر 2025
تسجيلكان الرجل الذي قدم إلينا، في تلك الأمسية، بوصفه شيخا واصلا، ومعالجا روحيا كبيرا ومعروفا، في زيارة للبلاد، قصيرا بعض الشيء، ممتلئ الجسم، يرتدي ثوبا رماديا طويلا، وعمامة بيضاء لفها على رأسه بإتقان، كان يبدو ثابت النظرات، وممتلئا ثقة، وما أن انتهى الصديق الذي استضافنا في بيته، من تقديمه إلينا حتى انهمر يتحدث عن نفسه بسخاء. قال إنه تخصص في علاج كل شيء، عالج ملوكا ورؤساء، وموظفين كبارا في دول عديدة، ولدرجة أنه لم يعد إلى بيته منذ خرج منه، قبل ثلاث سنوات، وأخرج من محفظة جلدية، كانت في جيبه، ورقة مطوية فردها أمامنا، وكانت تحوي خطابا مكتوبا بخط اليد، وموقعا من أحد الأعيان الخليجيين، يشهد بكفاءته، ويزكيه، ويصفه بالعلامة الشيخ.بدا لي الرجل في تلك اللحظة، شخصية روائية بالفعل، قطعا أستفيد منها، وكنت دائما أتتبع مثل تلك الشخصيات، وإن عثرت على إيحاء قوي، أكتبها. معالج للأمراض، يخرج من بيته منذ ثلاث سنوات ولا يعود، ولو دخل نصا روائيا، ستمتلئ تلك السنوات بأحداث كثيرة وغريبة بلا شك، وربما تتكون فيها حياة اجتماعية جديدة للرجل في أماكن متعددة بعيدة عن بيته، كنت محتاجا لاختبار ما، أخفض به من تلك الغطرسة، وأعرف أنها غطرسة خواء، وليست غطرسة امتلاء، ولطالما كان الخاوون يبدون بامتلاء زائف.نظرت إلى الرجل بتأن، وقلت بصوت هادئ: سيدي، أعاني من تقلب المزاج، والأرق في كثير من الليالي، وأنوي أن أهجر الكتابة نهائيا، هل تساعدني في ذلك؟انتصب في جلسته أكثر، وابتسم، قال:- أبشر، اعتبر نفسك لست كاتبا منذ الآن، سأكتب لك عدة عبارات على ورقة، اختر منها واحدة في سرك وضع أمامها علامة واطوها، وسأخبرك ماذا اخترت.انتزع ورقة من دفتر كان أمامه على الطاولة، كتب عليها:* الحارس أضاع الكرة.* أمك طبخت ملوخية.* باب النجار مخلع.* ما بعد الشدة إلا الفرج.* الحمام المشوي لذيذ.* النساء مزعجات.قدم إليّ الورقة، وقرأت العبارات وفهمت على الفور أنه وضع عبارة الشدة والفرج وسط هذه الفوضى لأختارها، وابتسمت بخبث. وضعت علامة أمام: أمك طبخت ملوخية، وطويت الورقة وقدمتها له.قال: لقد اخترت "ما بعد الشدة إلا الفرج"، هاهي. فتح الورقة وهو يمررها أمام الحاضرين، ثم قلبها، وطالعته: أمك طبخت ملوخية.ما حدث بعد ذلك، كان سريعا، تلون وجهه بأصباغ شتى، وهو يشاهد سخرية الحاضرين، ويسمع ضحكاتهم. نهض حاملا دفتره، وخرج من بيت الصديق.