18 سبتمبر 2025
تسجيلشهد الأسبوع الماضي بروز تقارير إيجابية وسلبية في آن واحد بخصوص عمان، وهذا ليس بأمر غير عادي.. على الجانب الإيجابي، استقطبت العاصمة العمانية مسقط الأضواء الدولية عبر استضافتها اجتماعا رفيع المستوى بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من جهة وإيران من جهة أخرى حول البرنامج النووي لطهران. وفي مؤشر على النجاح الدبلوماسي للسلطنة، شكل الاجتماع الأول من نوعه على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي بالنسبة لموضوع يهم الدول الست. على الجانب السلبي، تزامن الاجتماع مع تقارير مقلقلة أثارتها وكالة التصنيف ستاندرد آند بورز حول المالية العامة للسلطنة بخصوص التأثير السلبي للانخفاض المطرد لأسعار النفط على حالة الاقتصاد العماني. مما لاشك فيه، تعتبر مؤسسة ستاندرد آند بورز مؤهلة للحديث حول هذه المخاوف بحكم قدرتها بالوصول للبيانات المتعلقة بالاقتصاد العماني خلال عملية منح مستوى الائتمان.ولحسن الحظ، تتمتع عمان بتصنيف رائع من قبل هذه المؤسسة وتحديدا خانة الحرف (أي) مع نظرة مستقبلية مستقرة. لا يعد التصنيف هذا الأفضل أو الأسوأ من نوعه على مستوى دول مجلس التعاون لكنه يعد مريحا بالنسبة للمتعاملين مع عمان لأنه يؤكد قدرة الوفاء للالتزامات المالية. مؤكدا، يترك الانخفاض الحاد لأسعار النفط لأكثر من 20 بالمائة في غضون عدة أسابيع آثارا سلبية على الخزانة العامة وبالتالي النفقات وعليه فرضية تسجيل عجز في الموازنة.. باختصار، أعدت السلطات العمانية موازنة السنة المالية 2014 عبر افتراض متوسط سعره قدره 85 دولارا للبرميل وهو ما يقل عن الأسعار السائدة في الأسواق الدولية في الوقت الراهن.حقيقة القول، وضع المالية العامة كان صعبا حتى في حال عدم هبوط أسعار النفط بالنظر لتباين مستوى الإيرادات والنفقات. تم إعداد موازنة 2014 بإيرادات ونفقات قدرها 30.4 مليار دولار و35.1 مليار دولار على التوالي وبالتالي رصد عجز دفتري في حدود 4.7 مليار دولار. حسب أفضل التقارير، نقطة التعادل "أي لا فائض ولا عجز" لموازنة 2014 عبارة عن 102 دولار للبرميل أي أعلى بكثير من الأسعار السائدة في الوقت الحاضر. بالنظر للوراء، تم تغيير العجز المتوقع إلى فائض في السنة المالية 2013 على خلفية بقاء أسعار النفط قوية، حيث بلغ متوسط سعر البرنت وهو الأكثر استخداما لأسعار النفط قرابة 109 دولارات للبرميل.. اللافت بقاء أسعار النفط فوق حاجز 100 دولار لثلاثة أعوام على التوالي.. لكن ليس من المرجح البتة تكرار تجربة بقاء متوسط سعر النفط فوق حاجز 100 دولار للبرميل في 2014 في خضم تراجع أسعار النفط في الربع الأخير من السنة. يتطلب هبوط متوسط سعر النفط لما دون الرقم الذي تم افتراضه عند إعداد الموازنة العامة إعادة النظر في النفقات والإيرادات المخطط لها على حد سواء. مؤكدا، يشكل خفض الإنفاق خيارا صعبا مع الأخذ بعين الاعتبار تشكيل النفقات لقرابة 44 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.. تعتبر النسبة هذه كبيرة في كل حال من الأحوال، إذ تعكس الأهمية النسبية الكبيرة والمبالغ فيها للقطاع العام في الاقتصاد المحلي.بالعودة للوراء قليلا، شكلت النفقات الحكومية تمثل 35 بالمائة من حجم الناتج المحلي الإجمالي قبل ثلاث سنوات لا أكثر.. حدث التغيير التصاعدي بسبب ارتفاع أسعار النفط وبالتالي النفقات العامة.تفكر السلطات بجدية بإعادة النظر في برنامج الدعم من بين جملة الخيارات الصعبة للتعامل مع ظاهرة هبوط أسعار النفط.. لم يتم نشر التفاصيل الدقيقة لهذا التوجه، لكن يوجد حديث حول إعادة النظر لبرنامج الدعم الحالي خلال 2015. يأمل المسؤولون بأن يقدر المواطن العماني هذه الخطوة في ضوء الانخفاض الكبير لأسعار النفط ما يعني صعوبة استمرار العمل بالطريقة التقليدية حيث يحصل الجميع المستحق وغير المستحق دونما تمييز على السلع والمنتجات والخدمات المدعومة وعلى الخصوص المشتقات النفطية والكهرباء.ومن شأن إعادة ترتيب الدعم الحكومي حصول عمان على تقدير المؤسسات ذات العلاقة والمهتمة بأداء اقتصاد السلطنة مثل صندوق النقدي الدولي والمؤسسات العاملة في مجال التقييم الائتماني.على صعيد آخر، يعد تبني خيار آخر مثل تقليص الإنفاق الحكومي، تعميق تحدي البطالة وهي مسألة مقلقة أصلا.. تبلغ نسبة البطالة في عمان قرابة 8.1 بالمائة، وعليه تعتبر الأسوأ بين دول مجلس التعاون الخليجي.. تحل البحرين في المرتبة الثانية بمعدل بطالة قدرها 7.4 بالمائة.. على أقل تقدير، ساهمت أزمة البطالة في أوساط الشباب ضمن جملة تحديات اقتصادية وسياسية أخرى في ظهور اضطرابات في البلدين مطلع 2011. التحدي الاقتصادي كان سببا واضحا للتطورات السياسية في عمان أكثر ما كان عليه الحال في البحرين.ومع ذلك، هناك خيار آخر لسد حالة النقص للمالية العامة أي إصدار سندات الصكوك الإسلامية. وفي هذا الصدد، تتمتع عمان بتصنيف ائتماني مفيد يخدم مسألة إصدار سندات وتحديدا (أي) و(أي 1) من قبل مؤسستي ستاندرد آند بورز وموديز على التوالي.. طبعا، لكل شيء ثمنه والإشارة بكل تأكيد لمستوى الفائدة المطلوب دفعها وهو أمر يعتمد على مدى استجابة المستثمرين الدوليين. في نهاية المطاف، لا مناص للجهات ذات العلاقة في سلطنة عمان للتعامل مع معضلة هبوط أسعار النفط بما في ذلك فرضية تبني خيارات صعبة وغير مألوفة بعض الشيء مثل وضع حد لظاهرة الدعم الحكومية للسلع وبالتالي تحسين ظروف الموازنة العامة.. ربما يكون هذا الخيار أفضل من تقليص النفقات لما لذلك من تداعيات على مستويات النمو الاقتصادي وخلق فرص عمل للمواطنين.. كما يعد خيار إصدار صكوك إسلامية ليس بالأمر الهين لعلاقة ذلك بحجم الدين العام ودفع فوائد مالية فضلا عن التأثير على الخيارات المستقبلية للبلاد.