13 سبتمبر 2025

تسجيل

مخاوف ما بعد جريمة القنصلية

23 أكتوبر 2018

تدرك القيادة السعودية أن الأمر ليس لعبة إعلامية تقوم بها للتهرب من النتائج والتداعيات الخطيرة لجريمة قتل جمال خاشقجي في قنصليتها باسطنبول، وأن قصتها المتهافتة البائسة التي اعترفت فيها بمقتله، وتراجعت عن كل ادعاءاتها وأكاذيب إعلامها وذبابها الإلكتروني ، لن تقنع أحدا. والمهم ليس إثبات تهافت القصة، وإنما السؤال عن الأسباب التي دفعت بالقيادة لإعلانها بتفاصيلها الباهتة، وإخراجها الركيك، وهو ما سنناقشه في النقاط التالية: 1) الثمن الدولي المطلوب: المجتمع الدولي لا ينتظر تقديم قرابين هزيلة بلا قيمة ومكانة اعتباريتين، كأحمد عسيري ودليم القحطاني وثمانية عشر شخصا تافها، للتضحية بهم بهدف التغطية على المجرمين الحقيقيين الذين خططوا للجريمة، وأمروا بتنفيذها، وأشرفوا عليه، فارتكبوا بذلك حماقة عظمى في احتقارهم للقانون الدولي، واختبارهم لصلابة تركيا، واستهانتهم بالمشاعر والقيم والأخلاق الإنسانية. وإنما ينتظر أن تدرك الأسرة المالكة والعقلاء في المملكة أن قوة ومكانة بلادهم، واحترام الشعوب والدول لها، هي أمورٌ أعظم أهمية من التضحية بالوطن من أجل شخص أو مجموعة أشخاص . الجميع يعرفون الثمن المطلوب لكن رعبهم وخوفهم أعظم من رغبتهم القوية بالتصريح به. 2) الإصلاحات الداخلية: السعوديون لا يمثلهم الرعاع من إعلاميي المملكة وذبابها الإلكتروني الذين يحومون في أسراب مزعجة في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي وهم يهددون الدول والشعوب بالعقاب الذي ستوقعه السعودية (العظمى) بهما إذا لم يرضخا لأكاذيبها وادعاءاتها، وإنما يمثلهم الشهيد جمال خاشقجي، والعلماء والمفكرون المعتقلون أو الفارون من بلادهم الذين يطالبون بإصلاحات حقيقية تتضمن سقفا عاليا من الحريات، وسلطات تشريعية وقضائية وتنفيذية حقيقية تخدم الوطن وشعبه، وتحافظ على نظامه السياسي العادل. ولأن القيادة تدرك أن استمرار الضغوط الدولية الهائلة عليها بسبب جريمة خاشقجي سيكون عنصرا داعما للمطالب الشعبية الداخلية، فإنها أرادت إثبات سيطرتها على كل السلطات، ومنها الأمنية بخاصة، لإثارة الفزع في قلوب كل من يفكر بالمطالبة ولو بإصلاحات محدودة. 3) استباق نتائج التحقيق التركي: أخطأت القيادة السعودية عندما اعتقدت أن تركيا كبعض الدول العربية الكبيرة ، مساحة وتعدادا سكانيا فقط، والتي يلعب المال الحرام للسعودية والإمارات الدور الأعظم في تعيين رؤسائها، وتهميش شعوبها، وبيع أراضيها، والتنازل عن أمنها المائي، والخضوع للصهاينة، فظنت أن انتهاك القانون الدولي في الأراضي التركية سيكون أمرا بسيطا يمكن لبضع مليارات الدولارات التي تدفع لتركيا أن تعالجه. ثم أدركت، بعد ارتكاب الجريمة، أن الشعب التركي بقواه السياسية والمدنية ينظر إلى بلاده بقدسية، ولا يقبل انتهاك سيادتها، وأن القيادة التركية لن ترضى بالمس بالتضحية بمكانتها في أوساط الشعوب العربية والإسلامية فتصمت عن الجريمة، أو تسمح بتمريرها. لذلك استبقت الرياض نتائج التحقيق التركي بهذه القصة الغبية، بهدف حشد أنصار دوليين لها في مواجهة ما سيعلنه أردوغان اليوم. وبالطبع، فإن ذلك يشير مرة أخرى إلى الطفولة والرعونة والاندفاعات الهوجاء التي تتسم بها السياسات السعودية خلال السنوات الثلاث الماضية. أما الأدلة على صحة ما ذكرناه سابقا، فهي كثيرةٌ، وأهمها: ❶ السعودة السياسية للحرم المكي: فعبد الرحمن السديس، هو تلميذ مدرسة فقهية بائدة بائسة كانت تبيح للحاكم قتل خصومه حفاظا على الأمة والعقيدة، لذلك لم يتورع عن تحويل الحرم المكي لمنبر سياسي سعودي، كما فعل في خطبة الجمعة الماضية، وهو يعتقد واهما أن في العرب والمسلمين من يحترمونه ويسمعون له .. يا سديس، لقد زالت هيبتك وهيبة أمثالك بعدما عرف الناس حقيقتك وحقيقتهم. ❷ العنتريات الإعلامية: فلم تزل القيادة السعودية تتوهم أن تخليق عدو خارجي سيقنع شعبها بالانشغال به عن الورطة العظيمة التي أوقعت بلادها فيها. ولذلك، وجدنا الرعاع من إعلامييها، ومن مرتزقتها في مجمع الصرف الصحي المسمى بالإعلام المصري، يهددون بلادنا، ويتهمونها بإخفاء خاشقجي للإساءة للسعودية (العظمى). لكن هذا الزخم من الحقد والكراهية تبدد بعد اعتراف القيادة، ليل السبت الماضي، بمقتله في قنصليتها. [email protected]