11 سبتمبر 2025

تسجيل

وليال عشر

23 سبتمبر 2015

من رحمة الله بهذه الأمة أن ساق لهم مواسم الخير تباعا، ما ينتهى خير واحدة حتى يبتدي ما بعدها، مواسم ينتبه فيها العافل، ويستقيظ فيها النائم، وينشط فيها الخامل، ويأمل فيها اليائس، ويسعد بها المهموم، سعة من الله على عباده، وتفسيرا عمليا لقول الله: "ورحمتي وسعت كل شئ" ودلالة حية على قوله: "والله يريد أن يتوب عليك" وتأكيدا على قوله: "ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم" هي منح ربانية وعطايا رحمانية، ليئوب الناس إلى ربهم، ويستحضروا نعمة ما تبقى لهم من حياة فيجتهدوا ويبذلوا.وها نحن اليوم نعيش أفضل أيام الله على الإطلاق، العشر الأول من ذي الحجة، أيام أقسم الله بها في كتابه ولا يقسم العظيم إلا بعظيم: (والفجر وليال عشر) قال ابن عباس وابن الزبير ومجاهد وغير واحد من السلف والخلف: إنها عشر ذي الحجة، وصحح ابن كثير هذا في تفسيره. وقال تعالى: وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ “ قال ابن عباس وابن كثير يعني: أيام العشر".وصح أن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام يعني أيام العشر قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء) وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكرت له الأعمال فقال: ما من أيام العمل فيهن أفضل من هذه العشرـ قالوا: يا رسول الله، الجهاد في سبيل الله؟ فأكبره. فقال: ولا الجهاد إلا أن يخرج رجل بنفسه وماله في سبيل الله، ثم تكون مهجة نفسه فيه) وعن العلة في حصر هذا الخير في تلك الأيام دون غيرها يقول ابن حجر رحمه الله: "والذي يظهر أنّ السبب في امتياز عشر ذي الحجة، لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يأتي ذلك في غيره". نعم، قد اجتمع في تلك الأيام ما لم يجتمع في غيرها، ففيها: يوم التروية وفيها يوم عرفة وهو اليوم المشهود الذي أكمل الله فيه الدّين وصيامه والذي يكفر الله به آثام سنتين. وفيها كذلك يوم النحر الذي هو أعظم أيام السنّة على الإطلاق وهو يوم الحجّ الأكبر الذي يجتمع فيه من الطّاعات والعبادات ما لا يجتمع في غيره. وفيها الأضحية، كل هذا يجعل من إدراك هذا العشر نعمة عظيمة لمن تفهم أجرها وقدرها حق قدرها، لذاألا يا باغي الخيرات أقْبِل *****إلى ذي الحجَّة الشهر الحرامبه العشر الأوائل حين هلت ***** أحــب الله خـيـرا للأنامبها النفحات من فيض ونور*****وعـــرفات فَشَمِّرْ للصيامبها النحر الذي قد قال فيه*****إلــــه العرش ذكرا للأنامبها الميلاد يبدأ من جديد*****إذا ما القلب طُهر من سقاموبالحسنات فرج كل ذنب*****إذا شئت الوصول إلى المرامألا يا باغيَ الخيرات أقبل*****فـإن الشهر شهرٌ للكرامإذا استهواك شيطانٌ فأدبر*****ولا تركنْ إلى الفعل الحراميستحب في هذه الأيام: الحج لمن استطاع إليه سبيلا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) والصيام يدخل من جنس الأعمال الصالحة: (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به) وخصص يوم عرفة بالصيام لغير الحاج: (صيام يوم عرفة احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والتي بعده) والنووي يرى أن صيام الأيام التسع أمر مستحب فقال: صيامها مستحب استحباباً شديداً. كذلك كثرة: التكبير والتحميد والتهليل والذكر:فعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد) قال البخاري كان ابن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهما يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرها. وقال: وكان عمر يكبر في قبته بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون، ويكبر أهل الأسواق حتى ترتج منى تكبيراً. وكان ابن عمر يكبر بمنى تلك الأيام وخلف الصلوات وعلى فراشه، وفي فسطاطه ومجلسه وممشاه تلك الأيام جميعاً.ويستحب للمسلم أن يجهر بالتكبير في هذه الأيام ويرفع صوته به، وعليه أن يحذر من التكبير الجماعي حيث لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من السلف، والسنة أن يكبر كل واحد بمفرده.