28 أكتوبر 2025
تسجيلما الذي حدث في اليوم التالي بعد أن خرجت تلك الجموع الغفيرة ترفع الشعارات البراقة، وتطالب بطريقة سلمية بغد أفضل من اليوم الذي كانت تعيش فيه؟!.. الحصيلة النهائية أن مآلات ثورات "الربيع العربي" انتهت بفواجع.. فالدولة العميقة برزت وسيطرت على مفاصل الدول، والأنظمة الاستبدادية ورموزها التي اعتقدنا أنها سقطت عادت مرة أخرى للسلطة، والذين خرجوا طلبا للكرامة والعدل رجعوا بخفي حنين والحسرة والندم، وانتهى مصير بعضهم إلى العيش في المعتقلات والسجون، وهاجر البعض إلى الخارج بلا عودة، والبعض الآخر أصابه اليأس والقنوط، وانتشرت أدوات الإرهاب والعنف برعاية الأنظمة وأجهزتها وشبيحتها، لا يضاهيها إلا أفعال وممارسات الجماعات الإرهابية الدموية التي ترفع راية الدين وتقطع الرقاب وتفجر المساجد والناس للوصول إلى دولة الخلافة المزعومة، والحريات والديمقراطية باتت ابعد من سراب يتراءى للعطشان في صحراء عربية قاحلة، والكل خسر الرهان، والمنطقة تعيش اليوم على كف عفريت..!!هل كان الوصول متأخرا بحيث بات الإصلاح والتغيير إشكالية عصية على الحل؟! في هذه المجتمعات التي ينتشر فيها القمع السياسي والفساد المالي والظلم الاجتماعي والخوف والرهبة والفقر والبطالة، وتظل الثقافة المتأزمة والمفاهيم والقيم المتوارثة البالية منذ تاريخ بعيد، تحكم آلية العلاقة بين مكونات المجتمع ومؤسساته والبشر الذين يعيشون فيه، بحيث يتماهى مع حكامه وأنظمته التي قد تزول الشخوص فيها في مرحلة، لكي تعقبها مرحلة اخرى تعود فيها العقلية نفسها بشخوص أخرى وأسماء جديدة تحت راية الطائفة أو المذهب أو القبيلة أو الأيديولوجية، لكي تمارس المنهج ذاته الذي خرجت عليه؟! فالإشكالية لم تكن في تغيير السلطة وتبديل الطغاة حصرا ورفع شعار "الشعب يريد إسقاط النظام"، بل في تغيير وعي المجتمع والمنظومة الفكرية والنظام المعرفي الذي يتحكم فيه.إسقاط النظام لم يكن تلك المهمة المستحيلة التي كنا نعتقد؛ فخروج الناس والجموع الغفيرة إلى الشوارع كان كفيلا بتحقيق المهمة في معظم دول "الربيع العربي"، ولكن التحدي كان ومازال يكمن في النهوض بوعي المجتمع وبناء الدولة التي تحولت إلى بؤر لكل أنواع الفوضى والاقتتال والصراعات والحروب الأهلية، وباتت دولا فاشلة بامتياز تكاد أن تتفتت في الجغرافيا وتخرج من التاريخ!