13 سبتمبر 2025
تسجيللطالما كنت مغرما بالشخصية الإنسانية عموما بمختلف صفاتها وأمزجتها، وسعيت كثيرا لقراءة العالم المحيط بي والبعيد أيضا عبر شخصيات صادفتها أو قرأت عنها، وعندي يقين أن الشخصية هي مفتاح العمل السردي وكلما أتقن الكاتب رسم شخصيته، أتقن كتابة حركتها وتفاعلها في النص الذي يكتبه، وبناء على ذلك تجدني أسير أعمال روائية عدة لكتاب مختلفين، فقط لأنني فهمت الشخصيات وأخذت أتابعها بشغف داخل النص الروائي. من هذه الشخصيات المؤثرة في رأيي شخصية يمام، الدليل التركي الذي صادفته بسيرا الإسبانية، أو بسي كما يختصر اسمها، في رواية الوله التركي للكاتب الرائع أنطونيو غالا، ووقعت أسيرة عشقه حتى ضاعت حياتها. لقد رسم عالا يمام بريشة مبدعة، لم يرسمه وسيما منسق الجلد وفتى أحلام، كما يتوقع أن يكون لرجل شرقي تسقط شقراء إسبانية في حبه، وإنما رسمه رمزا مختلفا بتوافه لن تلفت إليها فتاة في العادة ولكن تلتفت سائحة قادمة من بعيد. أعني هنا ما يشد من غير أن يبدو شادا، وما يوقد الهوى في القلب من دون أن يكون نارا لاهبة. ولذلك يبدو الوله التركي بهذه الشخصية وغيرها من الشخصيات الأخرى، رواية ذات طعم لا يمكن أن ينسى. أيضا فراندو داثا في الحب في زمن الكوليرا للعظيم ماركيز، الشخصية التي تجعلك تتساءل طوال الوقت: بأي ريشة رسمت هذه الشخصية، وبأي إزميل نحتت، ولو عرجنا للأدب العربي نجد تلك النماذج موجودة بكثرة، وتزين النصوص كأبهى ما يكون التزيين. من ينسى السيد في ثلاثية محفوظ؟، من ينسى نقولا في فساد الأمكنة لصبري موسى، وكذا شخصيات محمد مستجاب الساخرة المجنونة وغير ذلك من الأعمال العظيمة للكتاب العظماء. أنا أجزم وبوصفي كاتبا أن الشخصية لا ترسم من الخيال إطلاقا، إنما هي شخصية موجودة تعرف إليها الكاتب ذات يوم وركدت في خياله انتظارا للبزوغ في نص سيكتبه. وغالبا ما تأتي حين يحين وقت كتابتها بزي جديد وإضافات جديدة، وهكذا هي تصنع نفسها داخل النص. سؤال: هل كل الشخصيات التي يصادفها الكاتب موحية؟ بالقطع لا، هناك شخصيات تبدو شديدة البريق، يخيل للكاتب أنها شخصيات مثالية للكتابة وما يحيط بها من بريق يوحي بأن كتابتها سهلة، لكن ربما لا تكتب قط وتأتي شخصيات معتمة، لتمنح الضوء بديلا عنها. ومن تجربتي، فقد ظللت أتابع مسنا آسيويا فيه كل خصائص الكتابة الناجحة، لسنوات طويلة وأدون ما يمنحه من إيحاء في كل مرة أراه فيها، حتى اختفى، ولم يظهر في أي من الروايات التي كتبتها. كذلك جمعت مئات الوثائق والصور والتحقيقات الصحفية عن رجل اشتهر منذ عدة سنوات، وبدا لي موضوعا شيقا لكتاب وحين جلست لأكتبه، لم تخرج كلمة واحدة. إذن الكاتب لا يتبع هواه، في كتابة الشخصية، ولكن يفكر وينتظر ما تمنحه شخصية ما، أراد كتابتها.